ويحتمل أن يراد بالكلام الاسم الأعظم تكلم به جبرئيل عليه السلام حين نفخه في مريم عليها السلام.
(ولدتك مريم بأمري) التكويني المتعلق بوجودك بلا أب، وفي التصريح باسمها تنويه وتعظيم لها (المرسل إليها روحي جبرئيل الأمين من ملائكتي) (فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) إلى آخر ما ذكر في القرآن الكريم واختلف في سنها حينئذ فقيل: ثلاث عشر سنة وقيل: عشر سنين وقد حاصت حيضتين، وفي مدة حملها فقيل: ستة أشهر وقيل: سبعة وقيل: ثمانية وقيل: ساعة (حتى قمت على الأرض حيا تمشي) إشارة إلى تربيته من طور إلى طور حتى بلغ هذه الحالة التي هي كمال النشوء وتمام القوة (وكل ذلك في سابق علمي) أي كان في علمي السابق وهو العلم الأزلي أن يكون خلقك على هذا النحو.
(يا عيسى زكريا بمنزلة أبيك) في الرأفة والمحبة وإرادة الخير، وفيه حث على تعظيمه وتكريمه وبره والدعاء له (وكفيل أمك) متكفل لأمورها وضامن لمصالحها قبل هي أخت زوجته (إذ يدخل عليها المحراب) قال القاضي: هو الغرفة التي بنيت لها في المسجد أو المسجد أو أشرف مواضعه ومقدمها سمى به لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس.
(فيجد عندها رزقا) قال القاضي: روى أنه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس.
(نظيرك يحيى من خلقي) في دلالة خلقه على القدرة القاهرة أو في العلم والحكمة والنبوة (وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها) قيل كان لها نيف وتسعون سنة وكان أبوه أيضا كبيرا كما قال (رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر).
(أردت بذلك) أي بإيجادك بلا أب وإيجاد يحيى من كبير وعاقر (أن يظهر لها) أي لأم يحيى (سلطاني ويظهر) للخلق (فيك) أي في إيجادك بلا أب (قدرتي) ذكر السلطان دون القدرة مع القدرة تفنن، وذكر الظهور لها في الأول وللخلق في الثاني لأن الثاني أغرب وأعجب، وتخصيص الظهور بها لأن توليد العاقر أبعد من توليد الكبير (أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم خوفا مني) للمحبة والطاعة وللخوف مراتب متفاوتة بعضها فوق بعض وكل من كان طاعته أزيد وأتم وخوفه أكثر وأعظم كانت محبة الله تعالى إياه أكمل وأفخم، وفيه أمر بالطاعة والخوف لتحصيل السعادة الأبدية التي هي المحبة الإلهية.
(يا عيسى تيقظ) التيقظ كما يكون للقلب بمعرفته وتذكيره تعالى وتطهير السر عن غيره ومعرفة المضار والمنافع كذلك يكون للسمع والبصر وسائر الجوارح بصرفها إلى الأمور المطلوبة منها.
ثم المتيقظ وإن كان مستعدا لفيض الرب ورحمته والقرب منه إلا أنه لما كان مشاهدا لعمله ولا يبرئ