بالحسنات منك ما بطن) من النجاسات القلبية فإن الحسنات يذهبن السيئات (فإنك إلي راجع) والمنزه عن جميع الرذائل والنقايص لا ينبغي أن يرجع إليه ويتقرب منه أرباب الخبايث.
(يا عيسى أعطيتك بما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من الهالكين) في إبهام الموصول دلالة على التفخيم، والمراد به القوى الظاهرة والباطنة والأعم منها ومن النعم الظاهرة والعلم بالشريعة، وفي قوله «فيضا» دلالة على كثرته من «فاض الماء» إذا كثر حتى سال عن الوادي، وفي قوله «فيضا» دلالة على كثرته من «فاض الماء» من غير تكدير إشارة إلى صفائه وكماله من غير نقص فيه، يقال: كدر الماء - مثلثا - إذا زال صفائه، وكدره تكديرا إذا جعله كدرا وأزال صفاءه، والمراد بالقرض إما الطاعة أو الأعم منها ومن بذل الماء للفقراء، سماها قرضا على سبيل التشبيه، وقوله «لنفسك» إشارة إلى أن فائدة هذا القرض يعود إليه في يوم الحاجة لا إلى الله تعالى لأنه غني عنها، وضمير «عليها» راجع إلى النفس، وقوله «لتكون من الهالكين» إشارة إلى ثمرة البخل وهي الهلاك الأخروي.
(يا عيسى تزين بالدين) بأصله وهو الإقرار به والعلم بأحكامه وآدابه، وفرعه وهو العمل بما يقصد منه العمل.
(وحب المساكين) من المؤمنين، ويندرج فيه مراعاة لوازم الحب مثل بذل الندى لهم وكف الأذى عنهم وغيرهما وينبغي أن يكون الحب في الله لما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قد يكون حب في الله ورسوله وحب في الدنيا فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله وما كان في الدنيا فليس بشيء».
(وامش على الأرض هونا) قال الله تعالى في التنزيل في وصف أوليائه (ويمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) والهون هو السكينة والوقار والرفق واللين والتلبث.
(وصل على البقاع فكلها) ظاهر البقاع بالكسر جمع بقعة وهي بالضم وتفتح القطيعة من الأرض وقد من الله تعالى عليه بهذه النعمة الجليلة رفقا به وبأمته حيث كانوا سائحين في الأرض فجعل كلها محلا لصلاته ولم يجعلهم محصورين على أدائها في البيع كما حصر بعض الأمم السابقة على أدائها في محل مخصوص كالكنائس لليهود (يا عيسى شمر) في العبادة وهو كناية عن الاجتهاد فيها، وفي كنز اللغة «تشمير دامن بر چيدن وچيست شدن در كار وكوشش كردن»، وفي مصباح اللغة التشمير في الأمر السرعة فيه والخفة ومنه قيل شمر في العبادة إذا اجتهد وبالغ وشمر ثوبه رفعه.
(فكل ما هو آت قريب) أراد به قرب الموت ويوم القيامة والحساب والجزاء تقليلا لمدة الحياة في الدنيا وتسهيلا لارتكاب مشقة العبادة فيها لذلك اليوم.
(واقرأ كتابي وأنت طاهر) أراد به الإنجيل، والظاهر أن الأمر للوجوب وأن الوجوب راجع إلى القيد وكأنه كان في شرعه وأما في شرعنا فالطهارة مندوبة بدون المس، وفيه خلاف.
(وأسمعني منك صوتا حزينا) هذا جار في شرعنا أيضا، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «إن القرآن نزل بالحزن فاقرأه بالحزن» ووجه