ضد الدنيا وضرتها إذ التعلق بأحد الضدين يوجب قطع التعلق بالآخر والسلوك في أحد السبيلين المتقابلين يورث البعد من الآخر، وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: ولم يدع حرص الدنيا ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم ثم إن الحرص قد يشتد حتى يجعل مطلب الآخرة كالعلم والعمل والوعظ والنصيحة وأمثال ذلك ذريعة إلى طلب الدنيا وتحصيلها كما هو المشاهد في كثير من أبناء الزمان، وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم، نعوذ بالله من ذلك.
قوله (وذكرت أني ثبطت الناس عنك) ثبطت بتشديد الباء من التثبيط وهو المنع والتعويق والشغل عن الأمر.
قوله (وما منعني من مدخلك) أي ليس المانع من الدخول فيما دخلت ضعف العلم بالسنة، ولا عدم البصيرة بالحجة بل المانع شيء آخر وهو أن الله تعالى خلق الإنسان على أمشاج مختلفة وصفات مختلفة وطبائع متفاوتة، والخلق على هذا النحو منعني من ارتكاب مثل ما ارتكبت لأن الأصل والصفة والطبيعة مني مانعة عن مثل هذا.
قوله (ما العترف في بدنك وما الصهلج في الإنسان) كأن الصهلج عرق والعترف داء عظيم خبيث يحرك صاحبه فيما لا ينبغي، والغرض من هذا السؤال هو التنبية على أن الجاهل بشيء ما لا يكون إماما أبدا.
قوله (أحذرك معصية الخليفة) الظاهر أنه أراد بالخليفة هارون العباسي وإنما حذره عن معصيته لعلمه بأنه لا يقدر على مقاومته مع خوف الضرر والهلاك في مخالفته، ولا يجوز التعرض لذلك عقلا وشرعا لا لأنه حق ومتابعته واجبة من حيث أنه خليفة، ويحتمل أن يراد بالخليفة نفسه (عليه السلام) على سبيل التورية لأنه الخليفة في الواقع.
قوله (قبل أن تأخذك الأظفار) كناية عن الأخذ الشديد بحيث لا يمكن التخلص منه.
قوله (ويلزمك الخناق) الخنق بكسر النون مصدر خنقه إذا عصر حلقه والخناق فاعله والخناق بكسر الخاء وتخفيف النون ما يخنق به من حبل أو وتر أو نحوه، وبضمها داء يمنع نفوذ النفس إلى الرئة والقلب، والمراد سوء حاله وضيق البلاد عليه.
قوله (من كل مكان) متعلق بالفعلين على سبيل التنازع.
قوله (فتروح إلى النفس من كل مكان ولا تجده) الظاهر أنه متفرع على الفعل الأخير أي تسير وتغدو إلى طلب النفس والراحة من كل مكان ولا تجده أو لا تجد مكانه.
قوله (أبقاه الله) إخبار بأنه أبقاه، أو دعاء له بالبقاء لعله أنه تعالى أبقاه إلى مدة فدعاؤه تابع لإرادته عز وجل وحيث لا يجوز الدعاء للظالم بالبقاء لا يجوز إذا جعل الدعاء وسيلة لبقائه على أنه يمكن أن يراد بها صورة الدعاء، وإنما جاء بها حفظا لنفسه، ودفعا لما تقرر في نفس الطاعن