إرادته تعالى ذلك حتمية فلا يجري فيه التقديم والتأخير.
قوله (ولا تسبقن الله فتعجزك البلية فتصرعك) أي لا تجعل إرادتك سابقة على إرادة الله فإنك إن فعلت ذلك تعجزك البلية والمكاره من الأعداء فتهلك. فانظر رحمك الله كيف فتح له (عليه السلام) جميع أبواب النصح أولها الطاعة لواحد منا للتنبيه على أنه ليس ممن يجب له الطاعة، وثانيها أن لهذا الأمر وظهوره وقتا معينا يأتي فيه أمر الله إلى أوليائه لا يتقدم ولا يتأخر، وثالثها أن القوم الذين استنهضوه غير موقنين بالله وباليوم الآخر ولا موفين بما وعدوا ولا ثابتين عند ظهور نار الحرب، ورابعها أنهم لا يصرفون عنه ما أراد الله، وخامسها أنهم على تقدير سعتهم وبذل وسعهم لا ينفعونه لأن الله لا يعجل لعجلة العباد، وسادسها أنه ان فعل ذلك كان عاقبته الهلاك فإن قلت: قد فعل الحسين (عليه السلام) مع علمه بجميع ذلك؟ قلت: فعله بأمر الله تعالى كما دلت عليه النصوص المعتبرة ولعل السر في أمر الله تعالى له بذلك أن لا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة، وفيه أسرار اخر.
قوله (ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره) الجلوس في البيت كناية عن عدم الخروج وادعاء الإمامة، وإرخاء الستر كناية عن منع الناس من الدخول والمعاشرة.
قوله (وثبط عن الجهاد) ثبط بفتح الفاء وكسر العين كما هو المضبوط في الفائق بمعنى ثقل وبطؤ، شغل عن المراد، يقال: هو ثبط أي ثقيل بطيء وثبطه عن الأمر تثبيطا شغله عنه وغرضه نفي الإمامة عنه (عليه السلام) لجلوسه في بيته وإرخاء ستره عليه، وتركه للجهاد، والحق أنه تكلم بلا معرفة لأن الإمام يجب أن يعمل بما أمر الله به ويترك ما نهاه عنه، والجلوس في البيت وإرخاء الستر وترك الجهاد مما أمر الله تعالى به في حال التقية، ولأنه يلزم عليه أن لا يكون أبوه سيد العابدين، وجده علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في أيام الخلفاء الثلاثة إمامين وهو لم يقل به.
قوله (ولكن الإمام منا من منع حوزته) أي جمعه أو ناحيته وحدوده، قال في النهاية: الحوز الجمع، وحوزة الإسلام حدوده ونواحيه، وفلان مانع لحوزته أي لما في حيزه، والحوزة فعلة منه سميت بها الناحية.
قوله (ودفع عن رعيته) أي دفع الظلم والجور عن رعيته.
قوله (وذب عن حريمه) حريم الرجل ما وجب عليه حفظه، والمنع من انتهاكه ومنه دينه.
قوله (قال أبو جعفر هل تعرف يا أخي من نفسك شيئا مما نسبتها إليه - إلى آخر الحديث -) لما وقع زيد في شبهة من وجهين: أحدهما أنه الإمام لظنه أنه المتصف بالأمور المذكورة وهي منع الحوزة وما عطف عليه، وثانيهما أن من لم يتصف بها فهو ليس بإمام أجاب (عليه السلام) عن الأول بأنه إن كانت لك بينة من الكتاب والسنة والأمثال المذكورة فيهما دالة على ما تدعيه فقولك صادق وإلا فهو باطل لأن كل قول لا يوافق السنة والقرآن فهو موصوف بالبطلان، والإمام لا يخفى عليه