محمد (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) بما شاء، ففعل ما أمر به ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تبجيله وتصديقه، فلو كان أمر الحسين أن يصيرها في الأسن أو ينقلها في ولدهما - يعني الوصية - لفعل ذلك الحسين (عليه السلام) وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه، ولقد ولى وترك ذلك ولكنه مضى لما أمر به وهو جدك وعمك فإن قلت خيرا فما أولاك به، وإن قلت هجرا فيغفر الله لك، أطعني يا ابن عم واسمع كلامي، فوالله الذي لا اله إلا هو لا آلوك نصحا وحرصا فكيف ولا أراك تفعل! وما لأمر الله من مرد.
فسر أبي عند ذلك، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): والله إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف الأخضر المقتول بسدة أشجع عند بطن مسيلها، فقال أبي: ليس هو ذلك والله ليحاربن باليوم يوما وبالساعة ساعة وبالسنة سنة وليقومن بثار بني أبي طالب جميعا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يغفر الله لك، ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا.
«منتك نفسك في الخلاء ضلالا». لا والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ولا يبلغ علمه الطائف إذا أحفل - يعني إذا أجهد نفسه - وما للأمر من بد أن يقع، فاتق الله وارحم نفسك وبني أبيك، فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها والله لكأني به صريعا مسلوبا بزته بين رجليه لبنة ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع - قال موسى بن عبد الله يعنيني - وليخرجن معه فيهزم ويقتل صاحبه، ثم يمضي فيخرج معه راية أخرى، فيقتل كبشها ويتفرق جيشها، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله بالفرج، ولقد علمت بأن هذا الأمر لا يتم، وأنك لتعلم ونعلم أن ابنك الأحول الأخضر الأكشف المقتول بسدة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها، فقام أبي وهو يقول:
بل يغني الله عنك، ولتعودن أو ليفي الله بك وبغيرك، وما أردت بهذا إلا امتناع غيرك وأن تكون ذريعتهم إلى ذلك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): الله يعلم ما أريد إلا نصحك ورشدك وما علي إلا الجهد.
فقام أبي يجر ثوبه مغضبا، فلحقه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقال له: أخبرك أني سمعت - عمك وهو خالك - يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل، فوالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي وبأحب أهل بيتي إلي، وما يعدلك عندي شيء فلا ترى أني غششتك.
فخرج أبي من عنده مغضبا أسفا، قال: فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلا - عشرين ليلة أو نحوها - حتى قدمت رسل أبي جعفر فأخذوا أبي وعمومتي: سليمان بن حسن، وحسن بن حسن، وإبراهيم بن حسن، وداود بن حسن، وعلي بن حسن، وسليمان بن حسن، وحسن بن حسن،