وأشار بذلك إلى أنه تعالى أوجبها على الأولين والآخرين ثم أشار إلى الفرق بينها وبين المودة بقوله: والطاعة لواحد منا والمودة للجميع. أما الأول فلقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) وولي الأمر ليس إلا واحدا باتفاق الأمة، فالطاعة واجبة لواحد، وأما الثاني فقوله تعالى (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فالمودة لكل من يتقرب به (صلى الله عليه وآله) إلا من أخرجه الدليل، والغرض منه هو الرد على زيد حيث صرح بأنه تعالى أوجب طاعته كما أوجب مودته، وأعلم أن الروايات في مدح زيد وذمه مختلفة وروايات المدح أكثر مع أن روايات الذم لا تخلو من علة.
قوله (وأمر الله يجري لأوليائه بحكم موصول وقضاء مفصول وحتم مقضي وقدر مقدور وأجل مسمى لوقت معلوم) إذا قدر وقوع أمر في وقت معين كان هناك ثلاثة أشياء: الوقت المعين المعلوم وتقدير ذلك الأمر والأجل وهو المدة المسماة المعلومة من حين التقدير إلى ذلك الوقت المعين ثم لابد بعد ذلك من حتم ذلك الأمر أي يصير محتوما به ويتعلق القضاء بحتمه ولابد أيضا في وقوعه في ذلك الوقت المعين من انقضائه به وهو الحكم عليه بوجوده فيه، وأصل القضاء القطع والفصل والقضاء المفصول القضاء المحكم المبرم ولابد من الحكم بإتمامه وإنفاذه وهذا الحكم هو المتصل بوجود ذلك الشيء في ذلك الوقت من غير انفصال بينهما ولذلك وصفه بالموصول فهذه ستة أمور لابد منها في وجود كل أمر من الأمور، وقد مر في باب البداء ما يعين في هذا المقام والمقصود منه هو التنبيه على أن ظهور هذا الدين ودفع الظالمين وقمع المعاندين منوط بوقت معين لا ينفع القيام به قبله ولا ينبغي لأحد غير من يأتيه أمر الله تعالى بذلك من أوليائه، وفيه نصيحة لزيد بأنه ليس هو أهله ولا هذا الزمان وقته.
قوله (فلا يستخفنك الذين لا يوقنون) أي لا يحملوكم على الخفة وهي العجلة والحركة والسرعة في الأمر، والمقصود نفي زيد عن قبول ذلك منهم، وفي قوله: لا يوقنون إشارة إلى عدم وفائهم بالعهد لأنه فرع اليقين وهو منتف عنهم.
قوله (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) يعني أنهم لن يكفوا ولن يصرفوا عنك من الله شيئا أراد بك، وقد فسر الاغناء بالكف والصرف في قوله تعالى: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) وفي قوله تعالى (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) ومنه يقال: اغن عني شرك أي أصرفه وكفه، وفيه تصريح بأنهم لا ينفعونه فيما أراد وحث له على قطع الطمع منهم لعلمه (عليه السلام) بسوء صنائعهم وقبح أعمالهم وعدم نفع الاستعانة بهم.
قوله (فلا تعجل فإن الله لا يعجل لعجلة العباد) لأن الله تعالى إذا علق أمرا بوقت وقدر وقوعه فيه لمصلحة; لا ينفع تعجيل العباد فيه وطلبهم له في غيره، ولا يصرفونه تعالى عما أراد لتكون