والظاهر أن حمل وخفف على صيغة المعلوم، و «رب» وما عطف عليه فاعلهما على سبيل التنازع ولما أمر أولا بإقامة هذين العمودين وإيقاد هذين المصباحين اللذين يدور عليهما التكليف أشار بهذا القول إلى أن التكليف بذلك يتفاوت بحسب تفاوت مراتب الرجال فالرب الرحيم والإمام العليم والدين القويم حملوا كل رجل ما هو مقدوره وكلفوه بما هو مجهوده فكلفوا العلماء وأهل الفضل والعقل بالتفكر والتأمل والتعليم والإرشاد والهداية والاستدلال وخففوا عن الجهال وضعفاء العقول ذلك وكلفوهم بما هو مقدورهم وهو المحسوس من العبادات والمتابعة لأولي الفضل في القول والعمل فتكليفهم دون تكليف هؤلاء العظام وإنما قلنا ذلك لاحتمال أن يكون الفعلان على صيغة المجهول وقوله «رب رحيم» إلى آخره حينئذ إما خبر مبتدأ محذوف تقديره المكلف رب رحيم ووصفه بالرحمة لمناسبة ما ذكر من التخفيف عن الجهلة أو فاعل لفعل يفسره حمل أي حملهم رب رحيم كقوله (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال).
قوله (أنا بالأمس صاحبكم) في الأمر والنهي والمحاربة مع الأقران والمقاتلة مع أهل الخذلان وغير ذلك من الأفعال والأعمال التي لا تصدر إلا من الأقوياء.
قوله (وأنا اليوم عبرة لكم) يمكن لكم الاعتبار بما طرأ من الضعف بعد القوة ومن السكون بعد الحركة ومن العجز بعد القدرة، وبالجملة تلك الأمور ونحوها من مصرعه (عليه السلام) بعد كونه صريعا للأقران ومصارعا للشجعان عبرة لأولي الألباب.
قوله (وغدا مفارقكم) بالموت وأراد بالغد معناه حقيقة لعلمه (عليه السلام) بأنه يموت في تلك الواقعة غدا لا ما يستقبل من الزمان مطلقا، وكل هذه التعبيرات محل الاعتبار يتنبه بها أولو الأحلام.
قوله (إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد) الوطأة الدوس بالرجل والمشي بها ولعل المراد هنا القدم مجازا أي أن يكون لي ثبات قدم في هذه المزلة التي هي محل زوال الحياة وبقاء فيها فذاك المراد لكشفه بأنه مراد الله تعالى وفيه رضاء بالواقع وتفويض الأمر إلى الله تعالى.
قوله (وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح وتحت ظل غمامة، اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض محطها) الأفياء جمع فيئ وهو الظل وأصله الرجوع وإنما سمي الظل فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب، وذرى الرياح بالفتح كنفها ومهبها يقال: أنا في ذرى فلان أي في كنفه، وذرى الرياح بالضم اسم لما ذرته الريح وأطارته، ولا يمكن إرادته هنا إلا بتكلف وهو أن المراد بالكون فيه الكون فيما بينه ومن جملته، والغمام السحاب الواحدة غمامة، والجو ما بين السماء والأرض، والمتلفق إما اسم مفعول من تلفق أي اجتمع أو مصدر ميمي منه بمعنى