قوله (فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ) أي فإن ما ذكر أوعظ لكم من ناطق صاحب الفصاحة والبلاغة فإن النفوس لمشاهدة ما فيه من العبرة والوعظ أكثر انفعالا وأشد اتعاظا واعتبارا من الاتعاظ والاعتبار بالقول المسموع ولو بأبلغ عبارة إذ ليس الخبر كالمعاينة.
قوله (ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا) ولما حمد الله تعالى ونصحهم ووعظهم بما فيه عبرة أخذ في توديعهم بقوله: ودعتكم على سبيل الإنشاء وداع رجل مرصد أي معد ومهيئ للقاء الله تعالى أو للقائكم غدا يريد به يوم القيامة والمرصد حينئذ اسم فاعل من أرصدت له بمعنى أعددت وهيأت له، ويجوز أن يكون اسم مكان من الرصد بالتحريك والتسكين بمعنى المراقبة والانتظار.
قوله (ترون أيامي ويكشف الله عن سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غير مقامي) في بعض النسخ «وقيام غيري مقامي» وفيه تذكير لهم بحسن خلقه وفضيلته وتنبيه على كمال شفقته على رعيته ليثبت العارفون بفضله على أتباعه ويبالغوا في مدحه وثنائه أداء لحمد الله تعالى بإعطاء ذلك الإمام العادل ويعرف الغافلون عن فضله ومنزلته ولزوم قصده في سبيل الحق عند مشاهدة المنكرات وظهور الظلم والجور ممن يقوم مقامه من خلفاء بني أمية وعمالهم. ويعلموا سرائره وهي أن حروبه ووقايعه وحرصه على هذا الأمر وأمره بالقتال لم يكن لنيل دنيا بل لإقامة الدين وترويج الشرع.
قوله (إن أبق فأنا ولي دمي) صدق الشرطية لا يستلزم وقوع الطرفين فلا ينافي ما مر من قوله (عليه السلام) «وغدا مفارقكم».
قوله (وإن أفن فالفناء ميعادي) كما قال جل شأنه (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك) وقال (كل شيء هالك إلا وجهه).
قوله (فالعفو لي قربة ولكم حسنة) التنكير فيهما للتعظيم فإن مراتبهما متفاوتة وفيه ترغيب في العفو إذ يكتب لصاحبه حسنة جليلة وهي منشأ لقربه من الله باستحقاق رحمته ومغفرته وألطافه وإحسانه وترادف مننه وفيض مواهبه عليه، وقوله «لي» معناه لأجلي ورضائي بذلك، لا أن العفو سبب لقربه (عليه السلام) منه تعالى لأن الله تعالى قد أعطاه من القرب والمنزلة ما لا يؤثر فيه شيء من أفعالنا.
قوله (فاعفوا) أي فاعفوا عن ذنوب الإخوان وزلاتهم واصفحوا بالإعراض عن مؤاخذتهم وتعييرهم بها (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) بإخفاء ذنوبكم وستر زلاتكم وترك تعييركم، فكما تحبون ذلك لأنفسكم فأحبوه لإخوانكم، مع أن عفوكم لإخوانكم سبب لمغفرتكم.