يحتمل أن يكون التقدير: وأشهد أن لا إله إلا الله، وإنما وصفه بهذه الأوصاف الثلاثة لأنها من أخص صفاته لدلالة الأول على نفي الشركة في الذات والصفات والثاني على نفي التجزي والثالث على كونه مرجعا لجميع الممكنات ولا شيء مما سواه كذلك.
قوله (كما انتسب) أي كما انتسب إلى هذه الصفات في صورة التوحيد وغيرها.
قوله (أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر) كما قال الله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وذلك لأن لحوق الموت ضروري وقد أحسن بقوله «في فراره» فإنه لما كان الإنسان دائما فارا من الموت طبعا وكان لابد منه لا جرم يلاقيه في حال فراره.
قوله (والأجل مساق النفس إليه) المراد بالأجل إما مدة عمر الإنسان يعني أن مدة كون النفس في هذا البدن محل لسوقها إلى الموت فإن النفس بانقضاء كل جزء من العمر تقرب من الموت أو الوقت المضروب للموت، قال جل شأنه (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة) وفيه حث على الاستعداد لما بعد الموت وإشارة إلى أن الموت في حال الحياة، نعم ما قيل «موتوا قبل أن تموتوا».
قوله (والهرب منه موافاته) الهرب بالتحريك الفرار والموافاة الإتيان وهذه الفقرة كالأولى في غاية اللطف فإن كل هارب من شيء يطلب البعد منه إلا الهارب من الموت فإن فراره منه في مدة عمره يستلزم انقطاع تلك المدة وانقطاعها يستلزم ملاقاة الموت وموافاته. والحمل من باب المبالغة لكمال اللزوم والاتصال.
قوله (كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر) «كم» خبرية و «أطردت» صيغة المتكلم وحده من باب الأفعال «والأيام» مفعوله، يقال: أطردت الشيء أي أخرجته وحقيقته صيرته طريدا.
«وأبحثها» حال عن فاعل «أطردت» بتقدير قد، وهذا الأمر يحتمل أمرين: أحدهما خفاء الحق ومظلومية أهله وظهور الباطل ورواج أهله، والمراد بالمكنون حينئذ سر ذلك وسببه والمعنى: كم صيرت الأيام طريدة لي أتبع بعضها بعضا والحال أني أبحث فيها عن سر هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه وذلك لأنه من العلوم المتعلقة بالقضاء والقدر، وثانيهما ما ذكره شارح نهج البلاغة وهو ما وقع من قتله وضربه بالسيف والمراد حينئذ وقته المعين ومكانه المخصوص وكيفية وقوعه على التفصيل، يعني: كم صيرت الأيام والأزمان طريدة لي وقد كنت أبحث فيها لأعرف ذلك على التفصيل فأبى الله إلا إخفاءه فإن ذلك مما استأثر الله تعالى بعلمه لقوله (إن الله عنده علم الساعة - الآية) وإن كان قد أخبره الرسول (صلى الله عليه وآله) بكيفية قتله مجملا كما روي عنه أنه قال «سيضرب على هذه - وأشار إلى هامته - فتخضب منها هذه - وأشار إلى لحيته -» وعنه أنه قال له «أتعلم من أشقى