الاجتماع، وضمير التأنيث عايد إلى الغمام، والعفاء الدروس والانمحاء يقال: عفا الأثر أي درس وانمحى، والمحط بالحاء والطاء المهملتين المنزل والأثر وضميره راجع إلى الغمام ورجوعه إلى ذرى الرياح بعيد ودحض القدم كناية عن الموت أي إن مت فلا عجب فإنا كنا في هذه الأمور وكنى بها عن أحوال الدنيا ومستلذاتها وقلة ثباتها والتمتع بها وفيه حث على عدم الركون إليها وترغيب في الاستعداد لما بعد الموت، وقيل: أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال، وبالرياح الأرواح، وذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي، وبالغمامة الأسباب العلوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها، وبعفاء محطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.
قوله (وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما) أراد بالأيام مدة حياته، وفيه تنبيه على أن مجاورته إنما كانت بالبدن فقط، وأما نفسه القدسية فإنما كانت متصلة بالملأ الأعلى، غير مايلة إلى البقاء في الدنيا ومجاورة أهلها أو على أن المجاورة إنما هي من عوارض الجسمية فتكون متعلقة بالبدن فقط.
قوله (وستعقبون مني جثة خلاء) أي خالية من الروح، والجثة الشخص والبدن وفيه مع ما يليه أيضا عبرة واتعاظ لأولي الأبصار.
قوله (وكاظمة بعد نطق) الكظوم السكوت يقال: كظم الرجل يكظم كظوما إذا أمسك عن الكلام والنفس فهو كاظم أي ساكت.
قوله (ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي) الهدوء بضم الهاء والدال والهمزة أخيرا السكوت من باب منع يقال: أهدأه فهدأ أي سكنه فسكن والخفوت بضمتين السكون يقال:
خفت الصوت خفوتا أي سكن، ولهذا قيل للميت: خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت والإطراق إرخاء العينين، يقال: أطرق فلان أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض وسكت، ويحتمل أن يكون الأطراق بفتح الهمزة جمع الطرق بكسر الطاء وهي القوة كحمل وأحمال. والأطراف جمع الطرف بالتحريك كجمل وأجمال والمراد بها الأعضاء والجوارح أو جمع الطرف بالتسكين وهو تحريك العين والجفن، والمراد بها هنا العيون والأجفان إلا أن جمعه لم يثبت إلا عند القتيبي، وقال الزمخشري: الطرف لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر. وقال الجوهري: الطرف العين ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر فيكون واحدا وجمعا.