فقالوا: ما عندنا شئ مما يقول الأمير، فألح عليهم حتى علموا أنهم لو جاؤوا بأي كرسي كان لقبله منهم، فحملوا إليه كرسيا من بعض الدور فقالوا: هذا هو، فخرجت شبام وشاكر وسائر رؤوس المختارية وقد عصبوه بالحرير والديباج. وحكى أبو مخنف أن أول من سدن هذا الكرسي موسى بن أبي موسى الأشعري، ثم إن الناس عتبوا عليه في ذلك، فرفعه إلى حوشب البرسمي، وكان صاحبه حتى هلك المختار قبحه الله. ويروى أن المختار كان يظهر أنه لا يعلم بما يعظم أصحابه هذا الكرسي، وقد قال في هذا الكرسي أعشى همدان:
شهدت عليكم أنكم سبائية * وأني بكم يا شرطة الشرك عارف وأقسم ما كرسيكم بسكينة * وان كان قد لفت عليه اللفائف وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت * شبام حواليه ونهد وخارف وإني امرؤ أحببت آل محمد * وتابعت وحيا ضمنته المصاحف وتابعت عبد الله لما تتابعت * عليه قريش شمطها والغطارف وقال المتوكل الليثي:
أبلغ أبا إسحاق إن جئته * أني بكرسيكم كافر تنزوا شبام حول أعواده * وتحمل الوحي له شاكر محمرة أعينهم حوله * كأنهن الحمص الحادر قلت: هذا وأمثاله مما يدل على قلة عقل المختار وأتباعه، وضعفه وقلة علمه وكثرة جهله، ورداءة فهمه، وترويجه الباطل على أتباعه وتشبهه الباطل بالحق ليضل به الطغام، ويجمع عليه جهال العوام.
قال الواقدي: وفي هذه السنة وقع في مصر طاعون هلك فيه خلق كثير من أهلها، وفيها ضرب الدنانير عبد العزيز بن مروان بمصر، وهو أول من ضربها بها. قال صاحب مرآة الزمان:
وفيها ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين، وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحا، فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة.
وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه، وكاد