الاستبراء في شراء الجارية وجملة الكلام فيه ان الاستبراء نوعان نوع هو مندوب ونوع هو واجب (أما) المندوب إليه فهو استبراء البائع إذا وطئ جارية وأراد أن يبيعها أو يخرجها عن ملكه بوجه من الوجوه عند عامة العلماء وقال مالك رحمه الله هو واجب (وجه) قوله أنه يحتمل شغل الرحم بماء البائع فيلزمه التعرف عن ذلك بالاستبراء كما في جانب المشترى (ولنا) أن سبب الوجوب لم يوجد في حق البائع على ما نذكر والاعتبار بالمشترى غير سديد لان الوجوب عليه لصيانة مائه عن الاختلاط بماء البائع والخلط يحصل بفعل المشترى لا بفعل البائع فتجب الصيانة عليه بالاستبراء لا على البائع الا انه يندب إليه لتوهم اشتغال رحمها بمائه فيكون البيع قبل الاستبراء مباشرة شرط الاختلاط فكان الاستبراء مستحبا وكذا إذا وطئ أمته أو مدبرته أو أم ولده ثم أراد أن يزوجها من غيره يستحب أن لا يفعل حتى يستبرئها لما قلنا وإذا زوجها قبل الاستبراء أو بعده فللزوج أن يطأها من غير استبراء وقال محمد رحمه الله أحب إلى أن يستبرئها بحيضة ولست أوجبه عليه وكذلك الرجل إذا رأى امرأة تزني ثم تزوجها له أن يطأها من غير استبراء وقال محمد أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها ويعلم فراغ رحمها والله عز وجل أعلم (وأما) الاستبراء الواجب فهو استبراء المشترى وكل من حدث له حل الاستمتاع بالجارية بحدوث ملك اليمين مطلقا والكلام فيه في مواضع في بيان وجوب هذا النوع من الاستبراء وفي بيان سبب وجوبه وفي بيان ما يقع به الاستبراء (أما) الأول فالأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة والنص الوارد في السبي يكون واردا في سائر أسباب الملك دلالة ولان الاستبراء طلب براءة الرحم وانه واجب على المشترى لان به يقع الصيانة عن الخلط والخلط حرام لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره والصيانة عن الحرام تكون واجبة ولا تقع الصيانة الا بالاستبراء فيكون واجبا ضرورة فلا يحل له وطؤها قبل الاستبراء ولا أن يلمسها بشهوة أو ينظر إلى فرجها عن شهوة لان كل ذلك داع إلى الوطئ والوطئ إذا حرم حرم بدواعيه كما في باب الظهار وغيره بخلاف الحائض حيث لم تحرم الدواعي منها لان المحرم هناك ليس هو الوطئ بل استعمال الأذى والوطئ حرام لغيره وهو استعمال ولا يجوز ذلك في الدواعي فلا يجوز والله عز وجل أعلم (وأما) سبب وجوبه فهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين مطلقا يعنى به ملك الرقبة واليد باي سبب حدث الملك من الشراء والسبي والصدقة والهبة والإرث ونحوها فلا يجب الاستبراء على البائع لانعدام السبب وهو حدوث الحل ويجب على المشترى لوجود سببه سواء كان بائعه ممن يطأ أو ممن لا يطأ كالمرأة والصبي الذي لا يعقل سواء كانت الجارية بكرا أو ثيبا في ظاهر الرواية لما قلنا وروى عن أبي يوسف انه إذا علم المشترى انها لم توطأ لا يجب الاستبراء لان الاستبراء طلب براءة الرحم وفراغها عما يشغلها ورحم البكر برية فارغة عن الشغل فلا معنى لطلب البراءة والفراغ (والجواب) أن الوقوف على حقيقة الشغل والفراغ متعذر فتعلق الحكم بالسبب الظاهر وهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين مطلقا قد وجد ولا يجب على من حرم عليه فرج أمته بعارض الحيض والنفاس والردة والكتابة والتزويج إذا زالت هذه العوارض بان طهرت وأسلمت وعجزت فطلقها الزوج قبل الدخول بها لان حل الاستمتاع لم يحدث بل كان ثابتا لكن منع منه لغيره وقد زال بزوال العوارض وكذا لم يحدث ملك اليمين فلم يوجد السبب ولا يجب بشراء جارية لا يحل فرجها بملك اليمين بان وطئها أبوه أو ابنه أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها لا بشهوة أو كان هو وطئ أمها أو ابنتها أو نظر إلى فرجها عن شهوة أو كانت مرتدة أو مجوسية ونحو ذلك من الفروج التي لا تحل بملك اليمين لان فائدة الاستبراء التمكن من الاستمتاع بعد حصول انعدام مانع معين منه وهو اختلاط الماءين والاستبراء في هذه المواضع لا يفيد التمكن من الاستمتاع لوجود مانع آخر وهو ان المحل لا يحتمل الحل ولا يجب على العبد والمكاتب والمدبر لانعدام
(٢٥٣)