ولهذا ترجع حقوق العقد إليه الا أن الموكل يقوم مقامه شرعا في نفس الحكم مع اقتصار نفس التصرف على مباشرته حقيقة والحرم من أهل ثبوت الملك له في الصيد حكما لا يتملكه حقيقة ألا يرى أنه يرثه وهذا لان المنع إنما يكون عما للعبد فيه صنع ولا صنع له فيما يثبت حكما فلا يحتمل المنع ولو باع حلال حلالا صيدا ثم أحرم أحدهما قبل القبض يفسخ البيع لان الاحرام كما يمنع البيع والشراء يمنع التسليم والقبض لأنه عقد من وجه على ما عرف فيلحق به في حق الحرمة احتياطا ولو وكل حلال حلالا ببيع صيد فباعه ثم أحرم الموكل قبل قبض المشترى فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله جاز البيع وعلى قياس قولهما يبطل لان الاحرام القائم لا يمنع من جواز التوكيل عنده فالطارئ لا يبطله وعندهما القائم يمنع فالطارئ يبطله حلا لان تبايعا صيدا في الحل وهما في الحرم جاز عن أبي حنيفة وعند محمد لا يجوز (وجه) قول محمد ان كون الحرم مأمنا يمنع من التعرض للصيد سواء كان المتعرض في الحرم أو الحل بعد إن كان المتعرض في الحرم ألا ترى أنه لا يحل للحلال الذي في الحرم أن يرمى إلى الصيد الذي في الحل كما لا يحل له أن يرمى إليه إذا كان في الحرم (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان كونه في الحرم يمنع من التعرض لصيد الحل لكن حسا لا شرعا بدليل ان الحلال في الحرم إذا أمر حلالا آخر بذبح صيد في الحل جاز ولو ذبح حل أكله ومعلوم ان الامر بالذبح في معنى التعرض للصيد فوق البيع والشراء فلما لم يمنع من ذلك فلان لا يمنع من هذا أولى وهذا لان المنع من التعرض إنما كان احتراما للحرم فكل ما فيه ترك احترامه يجب صيانة الحرم عنه وذلك بمباشرة سبب الايذاء في الحرم ولم يوجد في البيع والله سبحانه وتعالى أعلم ولا بيع لحم السبع لأنه لا يباح الانتفاع به شرعا فلم يكن مالا وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يجوز بيعه إذا ذبح لأنه صار طاهرا بالذبح وأما جلد السبع والحمار والبغل فإن كان مدبوغا أو مذبوحا يجوز بيعه لأنه مباح الانتفاع به شرعا فكان مالا وان لم يكن مدبوغا ولا مذبوحا لا ينعقد بيعه لأنه إذا لم يدبغ ولم يذبح بقيت رطوبات الميتة فيه فكان حكمه حكم الميتة ولا ينعقد بيع جلد الخنزير كيف ما كان لأنه نجس العين بجميع أجزائه وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ وأما عظم الميتة وعصبها وشعرها وصوفها وبرها وريشها وخفها وظلفها وحافرها فيجوز بيعها والانتفاع بها عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز بناء على أن هذه الأشياء طاهرة عندنا وعنده نجسة واحتج بقوله سبحانه وتعالى حرمت عليكم الميتة وهذه من أجزاء الميتة فتكون حراما فلا يجوز بيعها وقال عليه الصلاة والسلام لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب (ولنا) قوله سبحانه وتعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى قوله عز وجل ومن أصوافها وأوبارها الآية أخبر سبحانه وتعالى انه جعل هذه الأشياء لنا ومن علينا بذلك من غير فصل بين الذكية والميتة فيدل على تأكد الإباحة ولان حرمة الميتة ليست لموتها فان الموت موجود في السمك والجراد وهما حلالان قال عليه الصلاة والسلام أحل لنا ميتتان ودمان بل لما فيها من الرطوبات السيالة والدماء النجسة لانجمادها بالموت ولهذا يظهر الجلد بالدباغ حتى يجوز بيعه لزوال الرطوبة عنه ولا رطوبة في هذه الأشياء فلا تكون حراما ولا حجة له في هذا الحديث لان الإهاب اسم لغير المدبوغ لغة والمراد من العصب حال الرطوبة يحمل عليه توفيقا بين الدلائل وأما عظم الخنزير وعصبه فلا يجوز بيعه لأنه نجس العين وأما شعره فقد روى أنه طاهر يجوز بيعه والصحيح انه نجس لا يجوز بيعه لأنه جزء منه الا أنه رخص في استعماله للخرازين للضرورة وأما عظم الآدمي وشعره فلا يجوز بيعه لا لنجاسته لأنه طاهر في الصحيح من الرواية لكن احتراما له والابتذال بالبيع يشعر بالإهانة وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لعن الله الواصلة والمستوصلة وأما عظم الكلب وشعره فقد اختلف المشايخ فيه على الأصل الذي ذكرنا وروى عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله انه لا بأس ببيع عظم الفيل والانتفاع به وقال محمد رحمه الله عظم الفيل نجس لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به ذكره في العيون ويجوز بيع كل ذي مخلب من الطير معلما كان أو غير معلم بلا خلاف وأما بيع كل ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا وعند الشافعي
(١٤٢)