بخلاف البيع فان مبناه على المماكسة فيفضى إلى المنازعة ولهذا جازت الكفالة إلى هذه الأوقات ولم يجز تأجيل الثمن إليها في البيع بخلاف المكاتبة إلى مجئ المطر وهبوب الريح لأنه ليس لذلك وقت معلوم ففحشت الجهالة فان كاتبه إلى العطاء فاخذ العطاء فان الأجل يحل في مثل الوقت الذي كان يخرج فيه العطاء لان المراد به العرف والعادة وقت العطاء لا عين العطاء وكذا في الحصاد والدياس ولو كاتبه على قيمته فالمكاتبة فاسدة لان القيمة تختلف بتقويم المقومين فكان البدل مجهول القدر وانه مجهول جهالة فاحشة ولهذا منعت صحة التسمية في باب النكاح حتى عدل إلى مهر المثل فتمنع صحة المكاتبة بل أولى لان النكاح يجوز بدون تسمية البدل ولا جواز للمكاتبة من غير تسمية البدل فلما لم تصح تسمية القيمة هناك فلان لا تصح ههنا أولى ولان جهالة القيمة موجب للعقد الفاسد فكان ذكرها نصا على الفساد بخلاف ما إذا كاتبه على عبد لان جهالة العبد جهالة الوصف أي جيد أو ردئ أو وسط فعند الاطلاق يقع على الوسط والوسط معلوم عندهم ألا ترى ان أبا حنيفة جعل قيمة الوسط أربعين دينار فاما المكاتبة على القيمة فليست بمكاتبة على بدل معلوم عند الناس عند اطلاق الاسم فصار كما لو كاتبه على ألف أو على ألفين غير أنه إذا أدى القيمة عتق لأن العقد الفاسد له حكم في الجملة عندنا كالبيع الفاسد إذا اتصل به القبص والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول حتى يثبت الملك في البيع وتجب العدة والعقر ويثبت النسب في النكاح وكذا المكاتبة الفاسدة ولو قال كاتبتك على دراهم فالمكاتبة باطلة ولو أدى ثلاثة دراهم لا يعتق لان البدل مجهول جهالة متفاحشة وليس للدراهم وسط معلوم حتى يقع عليه الاسم بخلاف ما إذا قال أعتقتك على دراهم فقبل العبد عتق وتلزمه قيمة نفسه لان العتق هناك وقع بالقبول والجهالة متفاحشة فلزمه قيمة نفسه ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا فهو جائز استحسانا والقياس ان لا يجوز وجه القياس ان الخدمة مجهولة لأنها مختلفة ولا يدرى في أي شئ يستخدمه وانه يستخدمه في الحضر أو في السفر وجهالة البدل تمنع صحة الكتابة وجه الاستحسان ان الخدمة المطلقة تنصرف إلى الخدمة المعهودة فتصير معلومة بالعادة وبحال المولى انه في أي شئ يستخدمه وبحال العبد انه لأي شئ يصلح فصار كما لو عينها نصا ولهذا جازت الإجارة على هذا الوجه فالمكاتبة أولى لأنها أقبل للجهالة من الإجارة ولو كاتبه على أن يخدم رجلا شهرا فهو جائز في القياس كذا ذكره في الأصل ولم يرد به قياس الأصل لان ذلك يقتضى ان لا يجوز لما ذكرنا وإنما أراد به القياس على الاستحسان الذي ذكرنا ويجوز القياس على موضع الاستحسان إذا كان الحكم في الاستحسان معقول المعنى كقياس الجماع ناسيا على قياس الأكل والشرب ناسيا ولان المنافع أموال في العقود وانها تصير معلومة بذكر المدة فلا فرق بين ان يستأجر رجلا ليخدمه أو ليخدم غيره وكذلك لو كاتبه على أن يحفر بئرا قد سمى له طولها وعمقها ومكانها أو على أن يبنى له دارا وأراه آجرها وجصها وما يبنى بها لأنه كاتبه على بدل معلوم ألا ترى ان الإجارة عليه جائزة فالكتابة أولى ولو كاتبه على أن يخدمه ولم يذكر الوقت فالكتابة فاسدة لان البدل مجهول ومنها ان لا يكون البدل ملك المولى وهو شرط الانعقاد حتى لو كاتبه على عين من أعيان مال المولى لم يجز لأنه يكون مكاتبة بغير بدل في الحقيقة فلا يجوز كما إذا باع داره من إنسان بعبد هو لصاحب الدار انه لا يجوز البيع لأنه يكون بيعا بغير ثمن في الحقيقة كذا هذا وكذا لو كاتبه على ما في يد العبد من الكسب وقت المكاتبة لان ذلك مال المولى فيكون مكاتبة على مال المولى فلم يجز وأما كون البدل دينا فهل هو شرط جواز الكتابة بان كاتبه على شئ بعينه من عبد أو ثوب أو دار أو غير ذلك مما يتعين بالتعيين وهو ليس من أعيان مال المولى ولا كسب العبد ولكنه ملك أجنبي وهو معين مشار إليه ذكر في كتاب المكاتب إذا كاتب عبده عل عبد بعينه لرجل لم يجز ولم يذكر الخلاف وذكر في كتاب الشرب إذا كاتبه على أرض لرجل جاز ولم يذكر الخلاف وذكر ابن سماعة الخلاف فقال لا يجوز عند أبي حنيفة ويجوز عند أبي يوسف وعند محمد ان أجاز صاحبه جاز والا لم يجز واطلاق رواية كتاب المكاتب يقتضى ان لا يجوز أجاز أو لم يجز واطلاق رواية كتاب الشرب يقتضى الجواز أجاز أو لم يجز ولأنه لما جاز عند عدم الإجازة فعند الإجازة أولى ويجوز أن يكون قول محمد
(١٣٩)