قلت: وهذا الثاني يرجع إلى معنى الدعاء والله أعلم - ولتضمن الصلاة معنى التعطف عديت بعلى. وأما في الشرع فقال في المقدمات: هي واقعة على دعاء مخصوص في أوقات محدودة تقترن بها أفعال مشروعة. وقال بعضهم: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة. قال: ولا ترد صلاة الأخرس لأن الكلام في الغالب.
وقال ابن عرفة: قيل تصورها عرفا ضروري، وقيل: نظري لأن في قول الصقلي وغيره ورواية المازري: سجود التلاوة وصلاة نظر، وعلى القول بأنه نظري فهي قربة فعلية ذات إحرام وتسليم أو سجود فقط فيدخل هو - يعني سجود التلاوة - وصلاة الجنازة انتهى. والذي جزم به صاحب الطراز أن سجود التلاوة ليس بصلاة وإنما هو شبيه بالصلاة كما أن الطواف شبيه بالصلاة وليس بصلاة، وإن أطلق على ذلك صلاة فمن طريق المجاز لا الحقيقة. ثم قال: ألا ترى أن من حلف لأصلي في وقت مخصوص فسجد للتلاوة لا يحنث انتهى. وظاهر كلامه في المقدمات أنها صلاة لأنه عدها في الصلوات الفضائل. واعترض الآبي حد ابن عرفة بأنه غير مانع قال: لصدقه على من أحرم بالحج، وسلم منه على الحج لأنه يشتمل على ركعتي الطواف. وأجاب بأن إحرام الحج غير إحرام الصلاة، وبأن التعريف إنما هو بالخواص اللازمة والسلام في الصلاة لازم وليس بلازم في الحج، وبأن الركعتين ليستا من حقيقة الحج لصحته بدونهما ولا يقال: إنهما لازمتان للحج الكامل لأن الحد للحقيقة من حيث هي هي لا للكاملة.
واعلم أنه لا نزاع بين العلماء في أن إطلاق الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من الألفاظ المشتركة في الشرع على معانيها الشرعية على سبيل الحقيقة الشرعية، بمعنى أن حملة الشرع غلب استعمالهم لتلك الألفاظ في تلك المعاني حتى إن اللفظ لا يفهم منه عند الاطلاق إلا المعاني المذكورة، وإنما اختلفوا في أن الشرع هل وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني، أو هي مستعملة فيها على سبيل المجاز، أو هي مستعملة في معانيها اللغوية؟ على ثلاثة أقوال: أحدها:
أنها حقائق شرعية مبتكرة نقلها الشرع عن معانيها اللغوية إلى المعاني الشرعية من غير ملاحظة للمعنى اللغوي أصلا، وإن صادف ذلك الوضع علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فذلك أمر اتفاقي، وهذا مذهب المعتزلة، وقال به جماعة من الفقهاء. قاله في الذخيرة، واستبعد لأنه يؤدي أن تكون العرب خوطبت بغير لغتها. والثاني: أنها مستعملة في المعاني المذكورة على سبيل المجاز اللغوي لمناسبة بين المعاني اللغوية والمعاني التي استعملت فيها، وهو مذهب الامام فخر الدين والمازري وجماعة من الفقهاء. وقال ابن ناجي: هو مذهب المحققين من المتأخرين فهي مجازات لغوية حقائق شرعية. والثالث: أنه ليس في اللفظ نقل ولا مجاز بل الألفاظ المذكورة مستعملة في معانيها اللغوية، لكن دلت الأدلة على أن تلك المسميات اللغوية لا بد معها من قيود زائدة حتى تصير شرعية، وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني في سائر