مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ١٢
الزوال إلى آخر القامة الأولى، والمراد بذلك أن يصير ظل كل شئ مثله بعد ظل الزوال. وإنما قال: لآخر القامة لأنه جرت عادة الفقهاء بالتعبير بالقامة لأنها لا تتعذر وإلا فكل قائم يشاركها في ذلك. والأصل في تحديد أوقات الاختيار ما رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله (ص) أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الظل مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين بزغ الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الشمس، ثم التفت جبريل ثم قال: يا محمد هذا وقت الأنبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين قال الترمذي: حديث حسن وهذا لفظه. وبزق بالزاي أي بزغ ورواه الترمذي والنسائي من حديث جابر بمعناه وفيه: فصلى الظهر حين زالت الشمس قدر الشراك. قال الترمذي: هو حديث حسن. قال، وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت. وقوله في الرواية الأولى: مثل الشراك هو السير الذي يكون على وجه النعل وهو كناية عن أول ظهور الظل. وقوله حين وجبت الشمس أي سقطت بالغروب.
فائدة: ذكر الغزالي هذا الحديث بلفظ أمني عند باب البيت فاعترضه النووي بأنه ليس في الكتب المشهورة. قال شيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: وليس اعتراضه جيدا لأن هذا اللفظ رواه الشافعي وهكذا رواه البيهقي والطحاوي في مشكل الآثار وفيه من أنه كان صلاته إلى البيت مع أنه (ص) كان مستقبل بيت المقدس انتهى.
قلت: لفظ الام أمني جبريل عند باب الكعبة وقوله: وصلاته إلى البيت ليس في قوله: أمني عند باب البيت وباب الكعبة ما يقتضي أنه صلى إليها فتأمله.
فائدة أخرى: قال ابن عبد البر: هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك لا توجد هذه اللفظة إلا في هذا الحديث. وقوله: بغير ظل الزوال يعني به أن القامة إنما تعتبر بعد ظل الزوال وهو الظل الموجود عند الزوال، وهو يزيد في الشتاء وينقص في الصيف، ويختلف باختلاف البلاد وقد يعدم في بعض البلاد، وذلك إذا كان عرض البلد قدر الميل الأعظم فأقل، والميل الأعظم أربع وعشرون درجة تقريبا، وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء أي وسط الأرض، فإن كان عرض البلد أربعا وعشرين درجة كالمدينة الشريفة فيعدم الظل فيها مرة واحدة في السنة وذلك في آخر فصل الربيع أعني إذا كانت الشمس في آخر الجوزاء فتكون الشمس حينئذ مسامتة لرؤوسهم عند الزوال، وإذا كان عرض البلد أقل من أربع وعشرين درجة فيعدم الظل فيها في السنة مرتين: مرة في فصل الربيع، ومرة في فصل الصيف، وذلك إذا كان ميل
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست