تنبيهات: الأول: ذكر المصنف في التوضيح في الحديث الأول أنه من قول أبي سعيد لعبد الله بن زيد وليس كذلك، إنما هو من قول سعيد لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة كما تقدم عن الموطأ، وهو كذلك في صحيح البخاري وغيره، وعزا الحديث الثاني للبخاري وليس فيه، وقد رواه مالك في الموطأ مرسلا وأسنده النسائي وغيره.
الثاني: ذكر جماعة من الشافعية منهم إمام الحرمين والغزالي والرافعي حديث أبي سعيد بلفظ أن النبي (ص) قال لأبي سعيد: إنك رجل تحب الغنم الخ. وتعقبهم ابن الصلاح وقال:
هذا وهم وتحريف وإنما قال ذلك أبو سعيد للراوي عنه وهو عبد الله بن عبد الرحمن وتبعه أيضا النووي فقال: هذا الحديث مما غيره القاضي حسين والمازري والرافعي وغيرهم من الفقهاء فجعلوا النبي (ص) هو القائل هذا الكلام لأبي سعيد وغيروا لفظه، والصواب ما ثبت في صحيح البخاري والموطأ وسائر كتب الحديث وذكر اللفظ السابق. قال ابن حجر في فتح الباري: وأجاب ابن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد سمعته من رسول الله (ص) عائد إلى كل ما ذكر. قال ابن حجر: ولا يخفى بعده وذكر نحو ذلك في البدر المنير. قلت:
وقع في كلام اللخمي وابن بشير وغيرهما من المالكية في حديث أبي سعيد نحو ما تقدم عن الغزالي وغيره من الشافعية.
الثالث: قوله: مدى صوت المؤذن بفتح الميم مقصور يكتب بالياء وهو غاية الشئ، والمعنى لا يسمع غاية صوته الخ. قال ابن حجر: قال البيضاوي: غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلان يشهد له من دنا منه وسمع منادي صوته أولى انتهى. وقول: شهد له ظاهر كلام ابن حجر وغيره أن الشهادة هنا على بابها، ورأيت في حاشيته نسخة من الموطأ عن ابن القطان أن الشهادة هنا بمعنى الشفاعة. قال ابن حجر: والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع في عالم الغيب والشهادة، أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة. قاله ابن المنير:
وقال غيره: المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله تعالى يفضح بالشهادة أقواما فكذلك يكرم بالشهادة أقواما آخرين انتهى. وفي حديث آخر المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس رواه أبو داود والنسائي.
المؤذن يغفر له مد صوته فعلى رواية مدى صوته يكون منصوبا على الظرفية، وعلى رواية مد صوته يكون مرفوعا على النيابة، والمعنى أن ذنوبه لو كانت أجساما غفر له منها قدر ما يملأ المسافة التي بينه وبين منتهى صوته. وقيل: تمد له الرحمة بقدر مد الاذان. وقال الخطابي: