مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ١٠٩
المعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية في المغفرة إذا بلغ الغاية في رفع الصوت.
الرابع: قوله: إن سافر المراد كونه في فلاة من الأرض، ولا يشترط السفر حقيقة كما يفهم ذلك من كلام ابن عرفة الآتي في التنبيه الخامس. وقوله قد يقتضي أن الجماعة لا يستحب لها الاذان وليس كذلك، فإن كانت الجماعة ترتجي حضور من يصلي معها فالاذان في حقها سنة، وأما إن كانت لا ترتجي فالاذان في حقها مستحب، ولا تكون الجماعة أحط رتبة من الفذ فإن أصل مشروعية الاذان للجماعة وهذا هو المفهوم من كلام المازري وابن بشير وابن شاس. قال المازري في شرح التلقين: وأما المنفرد والجماعة فلا يفتقرون لاعلام غيرهم وهم بالحضر، فاختلف هل يستحسن لهم الاذان لأنه ذكر فيه إظهار شعار الاسلام أو لا يستحسن ذلك لهم لأن الغرض الأكثر في الاذان الدعاء إلى صلاة الجماعة وهؤلاء لا يدعون أحدا؟ ثم قال: وأما السفر فيستحسن فيه وإن كان فذا انتهى. وقال ابن بشير: واستحب متأخرو أهل المذهب الاذان للمسافر وإن كان فذا، وذكر حديثي الموطأ وقال ابن شاس: واستحب المتأخرون للمسافر الاذان وإن كان منفردا لحديث أبي سعيد.
فإن قيل: لعل هذا على طريقة ابن بشير وابن شاس الآتية في أن الفذ والجماعة التي لا تطلب غيرها في الحضر يستحب لها الاذان. قلت: أما على طريقتهم فلا إشكال في استحبابه ، وإنما الكلام على الطريقة التي مشى عليها المصنف فإنه لا يستحب للجماعة التي لا تطلب غيرها، فالذي يظهر أن ذلك في الحضر، وأما في السفر فالظاهر أنه مستحب. أما أولا فلان ذلك يفهم من كلام المازري كما تقدم في كلامه ميل إلى عدم الاذان إذا لم تطلب الجماعة غيرها في الحضر، وأما ثانيا فلاحتمال أن يكون أحد قريبا منهم يواريه عنهم جبل أو تل أو طريق فإذا سمع الاذان أتى إليهم وصلى معهم، وأما ثالثا فإن حديث أبي سعيد شامل للجماعة أيضا، فلان العلة التي ذكرها في الفذ موجودة في الجماعة، فإن القرافي ذكر أن الفز في السفر في موضع ليس فيه إظهار شرائع الاسلام فشرع له إظهارها وسرايا المسلمين تقصده فيحتاج للذب عن نفسه بخلاف الحاضر فإنه مندرج في شعائر غيره وصيانته انتهى. قلت: هذا موجود في حق الجماعة بل إظهار شعائر الاسلام في حق الجماعة أوكد ولأنه ربما مر بهم شخص منفرد فيخاف كونهم من العدو فإذا سمع الاذان أمن على نفسه ومفهوم قوله: إن مسافر أنه لا يستحب له الاذان في الحضر وسيأتي بيان ذلك في قوله: لا جماعة لم تطلب.
الخامس: عزا ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب استحباب ذلك للمتأخرين كما تقدم، وتعقبهم ابن عرفة بأن منصوص لمالك وابن حبيب ونصه: واستحب ابن حبيب ومالك للفذ المسافر ومن بفلاة لما ورد فيه، فعزو ابن بشير وابن الجلاب استحبابه لهما للمتأخرين قصور
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست