بعض الشيوخ استحسن القول بوجوب الغسل للنفاس ولو خرج الولد بلا دم، واستفيد منه أنه اختلف في وجوب الغسل إذا خرج الولد بغير دم، ويشير بقوله استحسن إلى قول ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب، فإن ولدت بغير دم فروايتان ما نصه الظاهر من الروايتين الوجوب حملا على الغالب انتهى.
تنبيه: الروايتان اللتان ذكرهما ابن الحاجب، ذكرهما ابن بشير قولين، واعترض ابن عرفة عليهما في حكاية الرواية بنفي الغسل أو القول بنفيه ونصه: وسمع أشهب من ولدت دون دم اغتسلت. اللخمي: هذا استحسان لأنه للدم لا للولد، ولو اغتسلت لخروجه لا للدم لم يجزها، ابن رشد: معنى سماع أشهب دون دم كثير إذ خروجه بلا دم ولا بعده محال عادة. ونقل ابن الحاجب نفيه رواية، وابن بشير قولا لا أعرفه انتهى.
قلت: إن أراد نفي الوجوب فقد صرح به اللخمي في باب صفة غسل الجنابة ونصه: وإذا كانت الولادة ولم ترد ما لم يكن عليها غسل، واستحب مالك الغسل وقال: لا يأتي الغسل إلا بخير انتهى. وإن أراد نفي استحبابه فليس في كلام ابن الحاجب وابن بشير ما يقتضي نفي ذلك بل قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: وعلى القول بعدم الوجوب فيستحب لان الغسل لا يأتي إلا بخير انتهى. وكلام اللخمي الذي نقله ابن عرفة هو في باب النفاس ونصه: قال مالك في العتبية في التي تلد ولا ترى دما تغتسل أو في ذلك شك: لا يأتي الغسل إلا بخير. وهذا استحسان لان اغتسال النفساء لم يكن لأجل خروج الولد إنما يكون لأجل الطهر من الحيض، ولو نوت الاغتسال لخروج الولد دون الطهر من الحيض ما أجزأها طهرها انتهى. فكان ابن عرفة فهم من كلامه هذا أنه حمل كلام مالك على وجوب الغسل، وأن معنى قوله هذا استحسان أن القول بوجوب الغسل استحسان. والظاهر أن اللخمي إنما أراد بقوله هذا استحسان أن الامر بالغسل استحسان كما صرح بذلك في باب صفة غسل الجنابة فيتفق كلامه. فإن قلت: فعلى هذا فليس في كلام اللخمي إلا القول بعدم وجوب الغسل، فأين القول بوجوبه؟ قلت: حكاه في التلقين ونقله عنه في الذخيرة فقال: السبب الخامس: إلقاء الولد جافا، قال القاضي: في التلقين بوجوب الغسل، ورواه أشهب وغيره عن مالك. وقال اللخمي: لا غسل عليها. ومعنى الأول أنه يجب عليها الغسل لخروج مائها، والولد مشتمل على مائها، لأنه من خلق فيجب علها بخروجه ووجه الثاني أن ماءها قد استحال عن هيئته التي بها يجب الغسل فأشبه حالة السلس بل هذا أشد بعدا انتهى. قلت: ما ذكره في توجيه القول الأول بعيد جدا لأنها قد اغتسلت لتلك الجنابة، سواء كان الولد عن إيلاج أو حملت وهي بكر كما تقدم إنه يجب الغسل على البكر إذا حملت لان الحمل لا يكون إلا عن إنزال كما تقدم في كلام ابن العربي فتأمله والله أعلم. قال ابن ناجي في شرح الرسالة. وكان بعض من أدركناه يحكي عمن يثق به أنه شاهد خروجه من زوجته بلا دم البتة ولم يعقبه دم بعده انتهى.