مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٢٤٠
وذلك لحصول الشك فيه. وقول عمر رضي الله تعالى عنه حين شك في ثوبه هل أصابه مني اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر. وقال مالك في المدونة مستدلا ثبوت النضح بعمل الصحابة والتابعين هو من أمر الناس. فظاهر كلام صاحب الجمع أن ابن لبابة يقول بعدم وجوب الغسل والنضح فيما شك فيه فإنه قال: وخالفنا الإمام الشافعي وأبو حنيفة ووافقهما ابن لبابة هنا لان الثوب إذا لم يكن فيه نجاسة فلا فائدة في النضح، وإن كانت فيه فالنضح ينشرها اه‍. إلا أن يكون مراده أن ابن لبابة يوافقهما ما في القول بعدم النضح وإن خالفهما في وجوب غسل ما شك فيه. وتقييد المصنف المسألة بالثوب احتراز من الجسد فإنه سيذكر حكمه ويأتي إن شاء الله تعالى هناك الكلام على غيرهما. ومثل ابن الحاجب المسألة مما إذا شك الجنب أو الحائض هل أصاب ثوبهما شئ أم لا. قال في التوضيح: وهذا إذا كان الثوب مصبوغا يخفى أثر الدم فيه، فإن كان أبيض فلا أثر للاحتمال وهو وهم قال معناه في الجلاب اه‍. ونحوه في كلام ابن عرفة فيمن ترك النضح، وكذا لو نام في ثوبه ورأي في جهة منه بللا وشك في الأخرى هل أصابها شئ أم لا فإنه يغسل ما رأى وينضح ما لم ير.
تنبيه: علم مما ذكره في التوضيح أن النضح إنما يجب مع الشك والشك تساوي الطرفين، فأما الوهم فلا أثر له ولو كان له شبهة، وأما الظن فلم أر من تعرض له إلا صاحب النوادر فإنه قال بعد ذكره النضح للشك: وكذلك إن ظن أن في ثوبه نجاسة فليرشه اه‍.
قلت: وهذا والله أعلم لان الشارع لم يعول في أمر النجاسة إلا على المحقق، فأجاز الصلاة بالنعال التي يمشى بها في الطرقات وفي موضع قضاء الحاجة ونحو ذلك كما أشار إلى ذلك القرافي في الفرق التاسع والثلاثين بعد المائتين، وقبله ابن راشد. وقال الشيخ أبو حامد الغزالي: والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين فما لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقينا يصلي به. ولا ينبغي أن يتوصل بالاشتباه إلى تقدير النجاسات اه‍. فالظاهر وجوب الغسل لان الأحكام الشرعية مناطة تغلبة الظن، وفي رسم ندر من سماع عيسى:
وسألته عن جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل ثوبه قال: أما إن كان نداه شبيها بالغبار فليرشه ولا شئ عليه، وإن كان بللا أو شبيها به فليغسله. قال ابن رشد: إذا كان شبيها بالغبار فلا يوقن بتعلقه بثوبه فكذلك قال ينضحه لان النضح طهور لما شك في نجاسته من الثياب، وإن كان بللا أو شبيها بالبلل فلا إشكال في وجوب غسله لتعلقه بثوبه اه‍. ونقله ابن عرفة، فهذا يدل على أنه إذا غلب على الظن وصول النجاسة للثوب وجب الغسل لأنه إذا كانت نداوة الجدار شبيهة بالبلل يغلب على الظن وصولها للثوب. وقال في النوادر أيضا: قال علي عن مالك فيمن بال في ريح فظن أن الريح ردت عليه من بوله فليغسله إن أيقن بذلك ولا ينضحه اه‍. فتأمله والله تعالى أعلم. ص: (وإن ترك أعاد الصلاة كالغسل) ش: يعني إذا قلنا
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست