الرجال غير مغلوب على عقله لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ لقول الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) ويقول الله تبارك وتعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر في القتال ابن خمس عشرة ورده ابن أربع عشرة، ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقة لزمه وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته فقال طلقت في حال جنوني أو مرض غالب على عقلي فإن قامت له بينة على مرض غلب على عقله في الوقت الذي طلق فيه سقط طلاقه وأحلف ما طلق وهو يعقل، وإن قالت امرأته قد كان في يوم كذا في أول النهار مغلوبا على عقله وشهد الشاهدان على الطلاق فأثبتا أنه كان يعقل حين طلق لزمه الطلاق لأنه قد يغلب على عقله في اليوم ويفيق وفي الساعة ويفيق، وإن لم يثبت شاهدا الطلاق أنه كان يعقل حين طلق أو شهد الشاهدان على الطلاق وعرف أن قد كان في ذلك اليوم مغلوبا على عقله أحلف ما طلق وهو يعقل والقول قوله، وإن شهدا عليه بالطلاق ولم يثبتا أيعقل أم لا؟ وقال هو كنت مغلوبا على عقلي فهو على أنه يعقل حتى يعلم ببينة تقوم أنه قد كان في مثل ذلك الوقت يصيبه ما يذهب عقله أو يكثر أن يعتريه ما يذهب عقله في اليوم والأيام فيقبل قوله لأن له سببا يدل على صدقه.
طلاق السكران (قال الشافعي) رحمه الله: ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا. فإن قال قائل: فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ والصلاة مرفوعة عمن غلب على عقله ولا ترفع عن السكران.
وكذلك الفرائض من حج أو صيام أو غير ذلك، ومن شرب بنجا أو حريفا أو مرقدا ليتعالج به من مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أن ليس في شئ من هذا أن نضربهم على شربه في كتاب ولا سنة ولا إجماع فإذا كان هكذا كان جائزا أن يؤخذ الشئ منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل. فإن جاء منه قتل نفس أو إذهاب عقل كان كالمريض يمرض من طعام وغيره وأجدر أن لا يأثم صاحبه بأنه لم يرد واحدا منها كما يكون جائزا له بط الجرح وفتح العرق والحجامة وقطع العضو رجاء المنفعة وقد يكون من بعض ذلك سبب التلف ولكن الأغلب السلامة وأن ليس يراد ذلك لذهاب العقل ولا للتلذذ بالمعصية.
طلاق المريض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ملك الله تعالى الأزواج الطلاق، فمن طلق من الأزواج وهو