الوجهين اللذين أبيحا للفرج (قال الشافعي) فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم، وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم (ومن كان غنيا فليستعفف) وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا. فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشئ خلافه فإن قيل كيف يخالفه؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وانها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة (قال الشافعي) ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا ملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه، وكذلك ينكح أخت إحداهن (قال الشافعي) ولما قال الله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع * فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون لا الذي يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه.
الخلاف في هذا الباب (قال الشافعي) فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع ولو طلق واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها (قال الشافعي) قلت لبعض من يقول هذا القول هل لمطلق نسائه ثلاثة زوجة؟ قال لا قلت فقد أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم الجمع بين الأختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال (للذين يؤلون من نسائهم تربص) وقال (الذين يظاهرون منكم من نسائهم) وقال (والذين يرمون أزواجهم) وقال (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) وقال (ولهن الربع مما تركتم) أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء؟
قال: لا قلت فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟ قال لا: قلت فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت أيرثها؟ قال: لا قلت فهذه الأحكام التي حكم الله عز وجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟ قال نعم قلت له فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وان ينكح أخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهي في عدد من أباح الله له، فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهي لا تخالفه وهي سنة رسول الله صلى الله وعليه وسلم ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعى فيها خبرا