التحريم ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فإن قال فهل تعلم فيم أنزلت (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم؟) قيل الله تعالى أعلم فيم أنزلها فأما معنى ما سمعت متفرقا فجمعته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش فكانت عند زيد بن حارثة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) وقال (وما جعل أدعياء كم أبناءكم) إلى قوله (ومواليكم) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج) الآية (قال الشافعي) فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون قوله (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شئ وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) (قال الشافعي) في قول الله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) وفي قوله (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الأختين فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الاسلام كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الاسلام بحال (قال الشافعي) وما حرمنا على الآباء من نساء الأبناء وعلى الأبناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنا بأم امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنا بأختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الأختين وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد احتمل ان يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلى أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا فأصابها لم يحل له عندي أن ينكح أمها ولا ابنتها ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شئ مما بين الزوجين (قال الشافعي) وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح الفاسد وإن كان فيه الإصابة كما لا يحرم الزنا لأنها ليست من الأزواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا ما بين الزوجين، وقد قال غيرنا وغيره: كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما (قال الشافعي) وقد وصفنا في كتاب الاختلاف، ذكر هذا وغيره. وجماعة أن الله عز وجل إنما أثبت الحرمة للنسب والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضى النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن تكون الحرمة التي أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصي لله الذي حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفو عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التي تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذي جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التي زنى بها مكانها (قال الشافعي) وإذا حرم من الرضاع ما حرم من النسب لم يحل له أن ينكح من بنات الام التي أرضعته وإن سفلن وبنات
(٢٧)