كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة، والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي، أو المدى بين من يعملون ظاهر النص ومن يأخذون بموضوعه وفحواه، ونحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة وإن اختلفت الأساليب.
ونرى الحصيلة العلمية لهذا الجهد الفقهي جديرة بالحفاوة وإدمان النظر وإحسان الدراسة، فهي تراث علمي مقدور مشكور...
وأما إنها قضية إيمان فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف وتسعير البغضاء بين أبناء أمة واحدة، ولو كان ذلك لعلة قائمة.
فكيف لو لم تكن هناك علة قط؟
كيف يرضى المؤمن صادق الصلة بالله أن تختلق الأسباب اختلاقا لا فساد ما بين الأخوة، وإقامة علائقهم على اصطياد الشبه وتجسيم التوافه وإطلاق الدعايات الماكرة والتغرير بالسذج والهمل.
وهب ذلك يقع فيه امرؤ تعوزه التجربة، وتنقصه الخبرة فكيف تقع فيه أمة ذاقت الويلات من شؤم الخلاف، ولم يجد عدوها ثغرة للنفاذ إلى صميمها إلا من هذا الخلل المصطنع عن خطأ أو عن تهور...
ولقد رأينا مع بعض رجال التقريب أن نقوم بعمل إيجابي لعله أن يكون حاسما، سدا لهذه الفجوة التي صنعتها الأوهام، بل إنهاء لهذه الفجوة التي خلقتها الأهواء، فرأيت أن تتولى وزارة الأوقاف ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر، وستتولى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات والمعاملات من هذا الفقه الإسلامي إلى جمهور المسلمين.
وسيرى أولو الألباب عند مطالعة هذه الجهود العلمية أن الشبه قريب بين ما ألفنا من قراءات فقهية، وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيئة.
* * * * وليس أحب إلى نفسي من أن يكون هذا العمل فاتحة موفقة لتصفية شاملة تنقي تراثنا الثقافي والتاريخي من أدران علقت به وليست منه.