وآثاره.
(145) وقد مر فيما أسلفنا من البرهان ما بزغ به نور الحق من أفق البيان وطلعت شمس الحقيقة من مطلع العرفان من أن الوجود كما مر حقيقة بسيطة لا جنس لها ولا فصل لها ولا حد لها ولا معرف لها ولا برهان عليه وليس الاختلاف بين آحادها وأعدادها إلا بالكمال والنقص والتقدم والتأخر والغنى والحاجة أو بأمور عارضة كما في أفراد ماهية واحدة. وغاية كمالها هي صرف الوجود الذي لا أتم منه وهي حقيقة الواجبية البسيطة المقتضية للكمال الأتم والجلال الأرفع وعدم التناهي في الشدة إذ كل مرتبة دون تلك المرتبة في الشدة ليست هي صرف الوجود بل مع قصور ونقص.
(146) وقصور الوجود ليس من حقيقة الوجود ولا من لوازمه لأنه عدم. والعدم سلب أصل الوجود أو سلب كماله والأول تعالى لا يجامعه وهو ظاهر فالقصور لاحق لا لأصل الوجود بل لوقوعه في مرتبة ثانية وما بعدها. فالقصورات والأعدام إنما طرأت للثواني من حيث ثانويتها وتأخرها. فالأول على كماله الأتم الذي لا نهاية له.
والعدم والافتقار إنما ينشئان عن الإفاضة والجعل ضرورة أن المجعول لا يساوي الجاعل والفيض لا يساوي الفياض في مرتبة الوجود. فهويات الثواني متعلقة على ترتيبها بالأول فتنجبر قصوراتها بتمامه وافتقارها بغنائه. وكل ما هو أكثر تأخرا عنه فهو أكثر قصورا وعدما.
(147) فأول الصوادر عنه تعالى يجب أن يكون أجل الموجودات بعده وهو الوجود الإبداعي الذي لا إمكان له إلا ما صار محتجبا بالوجوب الأول وهو عالم الأمر الإلهي. ولا يسع فيه إلا الأرواح القادسة على تفاوتها في القرب من الذات الأحدية لأنها بمنزلة الأضواء الإلهية. والعبارة عن جملتها روح القدس لأنها كشخص واحد. وهي ليست من العالم ولا واقعة تحت