تشريفا وتفضيلا على البهائم؛ فإنه خلق ينتصب قائما ويستوي جالسا ليستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ويمكنه العلاج والعمل بهما، فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الأربع، لما استطاع أن يعمل شيئا من الأعمال...
لم حمل الإنسان على فخذيه وأليتيه هذا اللحم؟ إلا ليقيه من الأرض فلا يتألم من الجلوس عليهما، كما يألم من نحل جسمه وقل لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها...
فكر في أبنية أبدان الحيوان وتهيئتها على ما هي عليه، فلا هي صلاب كالحجارة ولو كانت كذلك لا تنثني ولا تتصرف في الأعمال، ولا هي على غاية اللين والرخاوة فكانت لا تتحامل ولا تستقل بأنفسها، فجعلت من لحم رخو تنثني تتداخله عظام صلاب يمسكه عصب وعروق تشده ويضم بعضه إلى بعض، وغلفت فوق ذلك بجلد يشتمل على البدن كله.
ومن أشباه ذلك هذه التماثيل التي تعمل من العيدان وتلف بالخرق وتشد بالخيوط ويطلى فوق ذلك بالصمغ، فيكون العيدان بمنزلة العظام، والخرق بمنزلة اللحم، والخيوط بمنزلة العصب والعروق، والطلا بمنزلة الجلد، فإن جاز أن يكون الحيوان المتحرك حدث بالإهمال من غير صانع جاز أن يكون ذلك في هذه التماثيل الميتة، فإن كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحري ألا يجوز في الحيوان...
فالإنس لما قدروا أن يكونوا ذوي ذهن وفطنة وعلاج لمثل هذه الصناعات من البناء والتجارة والصياغة وغير ذلك، خلقت لهم أكف كبار ذوات أصابع غلاظ؛ ليتمكنوا من القبض على الأشياء، وأوكدها (1)