وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة، إلا الله القادر؟ أترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك؟ كلا، بل هو تدبير من مدبر حكيم قادر، عليم بالأشياء قبل خلقه إياها، لا يعجزه شئ وهو اللطيف الخبير...
جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه، فلم يجعله بارزا من خلفه، ولا ناشرا من بين يديه، بل هو مغيب في موضع غامض من البدن، مستور محجوب، يلتقي عليه الفخذان، وتحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه، فإذا احتاج الإنسان إلى الخلاء وجلس تلك الجلسة ألفي ذلك المنفذ منه منصبا مهيئا لانحدار الثفل، فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه ولا تحصى نعماؤه!...
تأمل الريق وما فيه من المنفعة؛ فإنه جعل يجري جريانا دائما إلى الفم، ليبل الحلق واللهوات (1) فلا يجف؛ فإن هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الإنسان، ثم كان لا يستطيع أن يسيغ طعاما إذا لم يكن في الفم بلة تنفذه، تشهد بذلك المشاهدة.
واعلم أن الرطوبة مطية الغذاء. وقد تجري من هذا البلة إلى موضع آخر من المرة، فيكون في ذلك صلاح تام للإنسان، ولو يبست المرة لهلك الإنسان...
اعلم أن في الإنسان قوى أربعا: قوة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة، وقوة ممسكة تحبس الطعام حتى تفعل فيه الطبيعة فعلها، وقوة هاضمة؛ وهي التي تطبخه وتستخرج صفوه وتبثه في البدن، وقوة دافعة تدفعه وتحدر الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها.