حيث يقرر أن علماء الجرح والتعديل ابتعدوا عن أي قول من الأمراء وأبناء الأمراء خوفا من السيف، وعلى هذا يمكن القول إن كلمة الحق كانت ترتعش على السطور في تلك الأزمنة، ولم تفسح السطور إلا لما يريده النظام، فبينما لا تكتب كلمة واحدة في الأمراء وأبنائهم، نجدهم يجرحون علماء الدراية الذين لا ينامون أمام خزائن السلطان، على سبيل المثال جاء في ترجمة جعفر بن سليمان كما ذكر صاحب كتاب التقريب: جعفر بن سليمان الضبعي أبو سلمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع. وقال في التهذيب: كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه وإذا ذكر عليا قعد يبكي (1). وكان هذا البكاء كافيا لرفسه كما رفس سفيان الثوري من قبل.
وفي الختام أقول: هيا نتفق على أن الجميع خلفاء بما فيهم خلفاء الدولة الأموية والدولة العباسية ومن جاء بعدهم. الجميع بلا استثناء خلفاء ونحن نقر هنا بذلك، ولكن الأهم من هذا كله ممن نأخذ السنة؟ فهنا كما يقولون مربط الفرس. إن العمل بالسنة صفحته القرآن فأي حبل نأخذ به شرط أن يكون قرينا للقرآن؟ إننا هنا لانتصر للقبائل والأحزاب، ولكننا نريد دثار الإسلام وحده، نريد أن نسير في ظلاله، وإذا كانت هناك كلمة، فإني أوجهها للباحثين فأقول:
أقدموا على الإسلام وهو ليس غائبا عنكم، هو فيكم ومعكم حجة عليكم، ولكي تنصهروا فيه فلا بد أن تنتقلوا من دائرة الشعار إلى دائرة الشعور، فدائرة الشعور هي نفسها دائرة الغرباء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " (2)، قال النووي: أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقي إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ (3). وقيل: ظهر في الغربة وسيعود من بلاد الغربة...