لقد استنفذ معسكر الحسين (ع) كل عناصره. ولم يبق إلى جانب الحسين، سوى عياله. وكان ذلك الطفل الرضيع ولده فتح عينيه في معترك المأساة. فرفعه أمام القوم يريد استعطافهم، ليسمحوا بإعطاءه ماء. غير أن الروح الدموية التي ما رآها التاريخ ولا شهدتها ملاحم البشر، كانت توجد في هذا المعسكر المشؤوم، فرفع (حرملة بن كاهل الأسدي) سهمه ورمى بها الطفل فسال دم البراءة على كف الحسين، وأخذ يرمي به نحو السماء وهو يقول: اللهم تقبل منا قربان آل محمد. وقال: هون ما نزل بي إنه بعين الله تعالى، اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح، إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك ثم نزل عليه السلام عن فرسه ودفن طفله الرضيع وصلى عليه.
فكان الإمام هو آخر من يتقدم للميدان، انطلق إلى القوم مصلتا سيفه، فقاتلهم قتالا شديدا وهو يقول:
الموت أولى من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار هنالك صاح عمر بن سعد: هذا ابن الأنزع البطين (يقصدون الإمام علي (ع)) هذا ابن قتال العرب احملوا عليه من كل جانب.
فصاح فيهم الحسين (ع) يردهم بكلامه النافذ في أعماق الضمير، غير أن القوم لا ضير لهم، فقال شمر بن ذي الجوشن: ما تقول يا ابن فاطمة؟.
قال: أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا.
واستمر القتال بين جيش عمر بن سعد، والإمام الحسين (ع)، وقد بدأت الدماء تغطي جسده وهو يقول: هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا مخضب بدمي وأقول: يا جدي قتلني فلان وفلان.
لقد أصابته السهام في جسده ورأسه فسقط، ولم يبقى قادرا على الحراك، يقول