يا عمر بن سعد: هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى، فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم.
فصاح شمر: يا ابن أبي تراب - يقصد الإمام علي (ع) - لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لا سقيناكم منه قطرة، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
لقد جعلوها شرطا لحياتهم وحياة عيالهم. والحسين (ع) ليس مجنون حرب حتى يضحي بأهله وعياله في سبيل موت هو عنه في خيار. إلا أن المسألة تخضع لمعايير الإسلام. والإسلام مهدد فيما لو بايع الحسين (ع) رجع العباس، والأطفال يبكون من شدة الظمأ. فرق قلب العباس، واستنفر عزيمته، وانطلق في القوم، يقاوم يمينا وشمالا حتى أتى الفرات واغترف منه ماء، ورجع يقاوم جيش النفاق، فنصبوا له كمينا، وضربه بعضهم فقطع يمينه. واستمر في مسيره قاصدا الحسين، يريد إيصال قربة الماء، لسقي عطاشى آل البيت وهو يقول:
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين وانطلق بعيدا حتى باغته حكيم بن الطفيل من وراء نخلة فضربه على شماله، وقطع يده الأخرى.
وانهالت عليه السهام من كل جانب، وأصابت صدره وضرب رأسه فانفلق، وسقط صريعا وهو يقول: عليك مني السلام أبا عبد الله.
رآه الإمام الحسين (ع) فأي عبره تعكس حقيقة المأساة، وأي كلمة تعكس حقيقة الحزن الذي اعترى سيد الشهداء. لقد رؤي وهو يكفكف الدمع ويقول:
أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا، أما من خائف من النار فيذب عنا.
واعتل الصياح في الخيام، واشتد النواح، واختلطت أصوات النساء بأصوات الأطفال في مشهد تراجيدي تخرس عن وصفه ألسن الشعراء.