عاشوراء، وكل أرض كربلاء.
كان الإمام الحسين (ع) يريد أن ينتشل الأمة من جمودها، يحركها للثورة ضد الكيان الأموي الجاثم على السلطة. ولا بد له من تضحية، ولا بد من دم شريف يراق، ليحدث الانقلاب في نفوس القوم الذين خذلوا قضيته وما زالوا يخذلون!.
لقد سمع الرسول صلى الله عليه وآله يقول لأم سلمة، بعد أن أعطاها تربة في قارورة:
إذا أصبح هذا التراب أحمر فاعلمي أن ابني الحسين قد مات (237). كان يعلم منذ البداية كما أبيه، أنه سيموت لا محالة مقتولا، لذلك لما وصل إلى كربلاء وسأل عنها القوم، قال:
هذا كرب وبلا. لقد حاصره الجنود في هذه المنطقة النائية حتى ينفذوا فيه الجريمة.
فالقضية قبل كل شئ، قضية إنسانية، إذ أن أهله معه وأبناءه، ولا بد أن يراعي الأعداء حقه في حماية هؤلاء، نزلوا يلتمسون ماء، فمنعهم القوم.
منعوهم وهم لا يأبهون. ولعمري أي ملة وأي دين كان يجيز لهم منع الماء عن الأطفال والنساء. وهب إننا عذرناهم في منع الحسين (ع) فما بال الأمهات ورضعهن، قال شهر بن حوشب وكان من عملاء يزيد: لا تشربوا منه حتى تشربوا من الحميم.
طرح عليهم الإمام الحسين (ع) خيارات كثيرة، فإما يدعوه يرجع وأما يدعوه يلتقي بيزيد. غير أن القوم المجرمين، علموا أن وجود الحسين أمام يزيد قد يقلب المعادلة. وقد يثير عليهم لوم الناس وأحقادهم، فأبوا إلا أن يقتلوه في هذه الصحراء النائية، وليمتص رمل الصحراء دمه ولا يعلم به أحد. فالناس ليس أمامهم رقابة تمنعهم. أجل، ليس أمامهم إلا الله.
وكانوا به لا يأبهون!.