الحسين (ع).
والقوم الذين ضاع حسهم التحرري في منعرجات النزوع الدنيوي، لم يكونوا في حاجة إلى ضمير ثوري، يزعجهم، ويضعهم أمام المسؤولية وفي مواجهة الخيار الصعب. فكان ضروريا أن يهاجموا معسكر الأحرار، ويدكوا بفرسانهم جسد الحسين (ع) انتقاما، من صلابته التي تعتبر، انتصارا على مستوياتهم النفسية.
لقد ظهرت لهم نفوسهم أخس وأخس مئات المرات من (جون) ذلك العبد الذي تنفس حريته. ووجد في معسكر الحسين، ميدانا واسعا للتعبير عن تحرره المكبوت خلال سنين مد يده. إنهم يرون في تحرر الحسين وشيعته، قبح وجوههم وذمامتها، وخسة نفوسهم وانحطاطها. فلذلك ازداد انتقامهم وتضاعف.
فراحوا يتنافسون على تدمير معسكر الإمام الحسين (ع).
اشتد القتال، وشيعة الحسين (ع) يتساقطون كأوراق الخريف الواحد تلو الآخر، وكلهم يقدم أروع أدوار البطولة والفداء. حتى لم يبق إلا الحسين وأهل بيته ليس معهم إلا الله.
كان علي بن الحسين (ع) مريضا. وقد شاءت الأقدار أن يكون كذلك للدور التاريخي المنوط به بعد الحسين (ع) غير أن عليا الأكبر، وهو أخوه، كان في تمام الاستعداد، لالتماس (الشهادة) ليكتب بها وثيقة عار في تاريخ الجريمة التي شهدها آل البيت المحمدي. انطلق يطلب القوم نصرة أبيه، وللحق الذي جاء من أجله ونشد في القوم:
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن ورب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * أضرب بالسيف أحامي عن أبي ضرب غلام هاشمي قرشي كان المشهد يدور بعين الحسين (ع) يرى ببصيرة المعصوم، انحطاط النفوس، وتشوه القلوب. يرى كيف صار الأمر في أمة، طالما ربى فيها جده وأبوه النفوس التعبى.