فقال عمرو: صدق وبر، تقدم يا أبا موسى نتكلم.
تقدم أبو موسى وقال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع عليا ومعاوية، ويولي الناس أمرهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه أهلا، ثم تنحى (192).
فقام عمرو فقال: لكني خلعت صاحبه عليا كما خلع، وأثبت معاوية.
يقول الطبري (193)، إنهما لم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى:
(إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل: (واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها) (الأعراف: 174).
فقال عمرو:
أيها الناس إني وجدت مثل أبو موسى كمثل الذين قال الله عز وجل:
(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أسفارا) (الجمعة: 5).
كانت القضية من بدايتها خاطئة، لأنها قائمة على مكيدة التحكيم. والإمام علي (ع) لم يكن فقط يملك ورعا وتقوى يحول دونه والمكيدة. بل أيضا كان يتوفر على قدر لا يوزن من البصيرة، أدرك من خلاله طبيعة اللعبة، فرفض التحكيم واستشرف مأزقه، غير أن الكثير ممن كان معه، كان يملك إيمانا مقلوبا، ورتوشا (أخلاقوية) زائدة على المبدأ والسلوك. لم يكن عمرو بن العاص يجهل قدر علي (ع) ولكنه سلك اختيارا - لعوامل شتى يقتضي تفويت الخلافة إلى معاوية، أما أبو موسى الأشعري، فقد كان رجلا من أولئك (الأخلاقويين)، الفاقدين