كما قلنا، ولا خالصا من المندسين والانتهازيين. فهناك قسم من الخوارج لا يزال يتربص بمعاوية، ليس له هدف غير ذلك، بعد أن قتل الإمام علي (ع) وهنالك الرعاع الذين فهموا الإسلام بوعي الصحراء وهناك القلة القليلة من الصحابة الشيعة الذين عانوا مع الإمام الحسن (ع) نفس الأزمات.
وما أن شرع الإمام الحسن في ممارسة دوره كإمام، حتى بدأت تحرشات الأمويين تتحرك ضده من كل الأطراف. وقام معاوية بتطويق الخلافة الحسنية، بسلوك أنماط من الأساليب الديماغوجية وكذا الدعائية. فبثوا عيونهم بالبصرة والكوفة وباقي البلدان التي انقادت لإمامة الحسن ونشروا عناصرهم وعمالهم الجواسيس لنشر البلبلة، وخلط الأوراق، وتجميع المعلومات. وكان الرجلان اللذان بعثهما معاوية هما: رجل من حمير بعثه إلى الكوفة، والآخر من بني القين بعثه إلى البصرة، وما أن وصلا إلى البلدين، حتى انتشر أمرهما وألقي القبض عليهما. وقدم الحميري إلى الإمام الحسن فقضى بقتله. وقدم القيني إلى عبد الله بن عباس، وكان عاملا للإمام على البصرة، فقتله كانت هنالك إذا، تحرشات بين الحسن ومعاوية. ومناوشات قد تسفر عن معركة حقيقة. ولذلك كتب الإمام الحسن إلى معاوية كتابا، يحذره فيه من مغبة مغامراته وينذره من خطر المواجهة قائلا: أما بعد: فإنك دسست إلى الرجال، كأنك تحب اللقاء، لا شك في ذلك فتوقعه إن شاء الله، وبلغني إنك شمت بما لم يشمت به ذوو الحجى وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
فأنا ومن قد مات منا لكالذي * يروح فيمسي في المبيت ليغتدي فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى * تجهز لأخرى مثلها فكأن قد وحاول معاوية أن يجيبه بنفس منضبطة تصنع فيها الهدوء وسعة الصدر، يريد من خلالها استمالة الإمام الحسن، فهو لا يزال يضرب له حسابا، لأنه بقية أبيه ووارث بصيرته وشجاعته فقال له:
أما بعد: فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث، فلم أفرح، ولم أحزن، ولم أشمت، ولم آس وإن عليا أباك لكما قال أعشى بني