لجدير خبير، وإني لأتقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب وأستصرخكم معلنا وأناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر، ولا تنقض بكم الأوتار، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليست له نية في جهاد العدو ولا اكتساب الأجر، ثم خرج إلي منكم جنيد متذانب كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، فأف لكم! ثم نزل (196).
هذه الخطبة تلخص، الظرف الذي عاناه أمير المؤمنين، إنه أسد الله الذي ابتلاه الله بأغلبية أجبن من بنات آوى، ومدينة العلم التي سكنها الجهلة الرعاع، وذلك هو السقوط، وتلك هي معاناة أبي الحسن (ع).
بقي الأمر كذلك، علي بالعراق ومعاوية بالشام، حكومة منشطرة، وأمة تحكمها المتناقضات، معاوية منعته شدة علي (ع) وبأسه في الحروب، وعلي (ع) منعه من الخروج تثاقل أصحابه، وعصيانهم له.
في تلك الأجواء، من التهدئة النسبية، اجتمع فريق من الخوارج، ينعون قتلاهم بالنهروان، وتبادلوا وجهات النظر فيما بينهم. وأسفر الاجتماع على مخطط للاغتيال، بزعامة ثلاثة من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي. وقضى المخطط أن يتولى ابن ملجم قتل علي (ع) والبرك بن عبد الله معاوية فيما قال عمرو بن بكر (أنا أكفيكم عمرو بن العاص) (197).
غير أن برك و (عمرو بن بكر) لم يتوفقا في قتل معاوية وعمرو.
فأما الأول، فقد قعد لمعاوية، فلما خرج إلى الصلاة ضربه بالسيف فلم يصب إلا أليته، فأخذه معاوية فأمر فضرب عنقه. أما الثاني فقد قعد لعمرو غير