كمالها. إن الإمام عليا (ع) لم يكن إماما لزمانه، لجيله، لإرضه،.. للمستوى الذي يهيمن على ذلك الجيل وتلك الأرض، إن الإمام علي (ع) إمام للإنسان، ويخاطب النضج البشري في مختلف مراحله. يخاطب من وراء جيل من الرعاع، وزمن غابر بسيط، أجيالا متمدنة، وأزمانا معقدة. لذلك لم يفهموه، كما يفهمه الشيعي الذي عرف عليا من خلال النص ومن خلال العقل.
هنا أتفق بكل قوة مع الجابري، في أن منطق القبيلة والغنيمة والعقيدة، كان هو المحدد الرئيسي للعقل السياسي العربي. ولكنني لا اتفق معه في كثير من القضايا التي ترتبط بتلك المحددات. فالإمام علي (ع) بقي مرفوضا، لأنه حكم منطق العقيدة. ولكنه لم يراع المتطلب القبلي والغنيمي. لذلك رفض من قبل قطاع كبير من الناس كما تقدم، أولئك الذين تربوا في ترف الحقبة العثمانية.
إلا أن الشئ الذي غاب عن الكثير ممن استحمرتهم وأبهرت وعيهم، لعبة (الشعرة) التي أرسى قواعدها معاوية بن أبي سفيان، ليصبح بذلك الرجل القوي في المعارك السياسية ضد الإمام علي (ع) الذي بدا في عين الآخرين كأنه عديم الخبرة، هو أنهم لم يفهموا الواقع الذي جاءت فيه الخلافة لعلي (ع) وشخصية علي (ع) كذلك.
فالخلافة جاءت لعلي (ع) والأمة كلها تحت الهيمنة الأموية. ولأن كان عثمان قد قتل، فإن معاوية ومن حوله من الأمويين لا يزال مهيمنا على الشام. ثابت الأركان ذا نفوذ لا يطال. وأهل الشام لا يعرفون عن علي (ع) ولا غيره شيئا.
. وجاءت الخلافة لعلي (ع) والناس أشبه ما يكونون بالرجل المريض، لا يسمعون ولا يطيعون. وضاقوا من شدة علي (ع) وتنمره. فراحوا إلى السكون، والتمسوا السلام، على كل المفاسد التي لا تزال تهدد صرح الأمة الإسلامية. إنه في قوم قال عنهم: (لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان). وهو الذي ود لو يبدل أصحابه يومها ويصرف العدد الكبير منهم بواحد من أصحاب معاوية (161).