الغناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان، ورسوله بجنة الرضوان. من كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر، ولا الأوائل (158).
ثم قام الإمام بعدها بعزل عمال عثمان عن البلدان، لقطع دابر الاستغلال.
فهو لم يأت في سياق خلفائي رسمي ليبقي على أزلام العهد البائد. إنها ثورة وتغيير للوضع من الجدور..
ولهذا سيلجأ إلى عزل الجميع سوى موسى الأشعري لما أشار الأشتر على علي (ع) بالإبقاء عليه. واستبدلهم جميعا برموز الثورة. فولى قثم بن العباس مكة، و عبد الله بن العباس اليمن، وقيس بن سعد بن عبادة مصر، وعثمان بن حنيف الأنصاري البصرة.
وتزلف كل من طلحة والزبير وطلبا من الإمام علي (ع) إشراكهما في الأمر.
فهما رجلان يلهثان وراء الدنيا. غير أن الإمام علي (ع) لم يأت إلى الخلافة ليعبث. أراد أن يعطيهما نموذجا للحق والالتزام. ليتركها صورة للأجيال حول سلوك الإمام، ومدى اختلافها عن سلوك المغتصبين. وماذا يا ترى، سيجدون من جواب عند الإمام علي (ع) الذي اختلطت زينة الحياة عنده وتدنت حتى لم يعد يفرز بين نعمة وأخرى ويقول عن الذهب والفضة كلاهما عندي حجر؟، كان جواب الإمام علي (ع) (أنتما شريكاي في القوة والاستقامة، وعوناي على العجز والأود) (159).
وما كان لطلحة ولا الزبير، وقد فاضت عليهما الدنيا في زمن عثمان. ما كان لهما أن يشركا عليا (ع) في الزهد والتقشف. وأن ليندى الجبين لأنهما قد تمرغا في رغدهما، وهو يكسر الكسر اليابسة بركبته، ويقول للحسن ابنه (ع): امشوي الكراكر عند علي بن أبي طالب.. لا والله، ولمن يتركون الذهب في مخازنهم يكسر بالفؤوس. فأعلنا عند ذلك، الرفض!، بيد أنهما مشدودان إلى الواقع