العدل سعة ومن ضاق عليه الحق والجور عليه أضيق.
أيها الناس. ألا لا يقولون رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار وفجروا الأنهار، وركبوا الخيل، واتخذوا الوصائف المرققة، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، (حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا). ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غدا عند الله، وثوابه وأجره على الله.
ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله، فصدق ملتنا ودخل ديننا واستقبل قبلتنا.
فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، ولا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله أحسن الجزاء).
هذا هو علي (ع) وتلك هي البيئة التي وجد فيها. بيئة الثراء والاستغلال والامتيازات الطبقية.
أي الناس مستعد يومها، لتسليم ما تراكم لديه خلال سنين الغفلة والنهب وصراع الامتيازات؟.
أي إيمان تركه الجشع الأموي في المجتمع، والتفقير المقابل في صفوف الطبقات الصغرى؟.
وأي حرية تبقى بعد كل هذا القمع الذي أجراه الخلفاء على المجتمع، فعلي (ع) جاء ليرفع صخورا ثقال، إلى سماء الروح، وليعطي للجميع حقه، إنه شطب بالأحمر على إيديولوجية الجبر التي تقول: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه). جاء ليعلمهم أن الفقير يعيش أعلى مستوى من الحاجة في مجتمع الإسلام. وإن كثيرا من الفقراء إنما وجدوا بسبب سوء التوزيع. كيف وهو القائل: (ما رأيت نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضيع).
هذه الروح السامية، وهذه الاجتماعية الإسلامية هي منهج الإمام علي (ع) في مجتمع إقطاعي!، إنها النقلة البعيدة، والطفرة العليا، والمبادرة النقيضة، ولذلك لم يرضوا عنه، (يقول سيد قطب: ولقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنفعون عن