مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك وغلبت على رأيك (146) ودخلت عليه زوجه نائلة بعد ذلك، تحذره من مروان، وتحثه على طاعة الإمام علي (ع) وكانت قد أمرته بأن يرسل إلى علي (ع) ليستصلحه لما له من قرابة وسمعة. فأرسل عثمان إلى علي (ع) فلم يأته وقال: قد أعلمته إني غير عائد. فلما سمع مروان ما قالته نائلة، قال له: يا ابنة الغرافصة! فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فاسود وجهك، فهي والله أنصح لي! فكف مروان (147).
لم يرجع الإمام علي (ع) إلى عثمان ولم يشأ أن يقف إلى جانب رجل، إنما ثار عليه الناس طلبا للعدالة والإصلاح، فأبى عليهم ذلك والتوى عليهم. وما بقي للإمام علي (ع) إلا أن يقوم بدوره الإنساني، وهو أن يبعث بابنيه لحراسة الباب حتى لا يهجم عليه الناس، فيقطعونه بالشكل الذي لا ينطبق مع حكم الشريعة، وينافي حقوق الإنسان كما يدركها المعصوم. تماما كما لم يشأ أن يمثل بقتيله هو عبد الله بن ملجم، وأوصى بالإحسان إليه ما لم يمت فإن مات فيقم عليه الحد الشرعي بلا زيادة ولا نقصان. هذا الانضباط الشرعي وإنسانية الإمام علي (ع) هي التي جعلته يرسل ابنيه إلى باب عثمان من دون أن يدخلوا في صراع مع ثوار الغضب، الذين أصروا على إسقاط عثمان أو تصفيته.
وحيث إن عثمان نقض الوثيقة وخان العهد مع الوفود، ولم يرد أيضا أن ينزل عن السلطة لصالح من هو أولى بها. قرر الثوار أن يقتحموا عليه الدار. ولما كان الحسن (ع) عند الباب، وحتى لا يصيبه أذى من الجماهير رأى الثوار بقيادة محمد بن أبي بكر، أن يتسلقوا عليه الدار، لينفذوا فيه الحد الثوري. فاقتحموا الدار من دار عمرو بن حزم. وسرعان ما تدفق عليه الناس، واكتضت الدار بالثوار، وانتدبوا من يقتله، وجرت محاورات بين الثوار وعثمان قبل قتله كلهم يطلبه لترك الخلافة وهو يأبى ذلك. وأي شجاعة هذه التي يملكها عثمان في الاصرار على الخلافة. هلا كان إصراره أيضا في العدل بين أقربائه والمسلمين!.