نياتها، ومنها سرية خالد إلى بني جذيمة في نحو ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار وبني سليم - أرسلها دعاة ولم يأمرهم بقتال - وكان بنو جذيمة شرحي في الجاهلية يسمون لعقة الدم ومن قتلاهم الفاكه بن المغيرة وأخوه عما خالد بن الوليد ووالد عبد الرحمن بن عوف، ومالك بن الشريد وإخوته الثلاثة من بني سليم في موطن واحد، وغير هؤلاء من قبائل شتى.
فلما أقبل عليهم خالد وعلموا أن بني سليم معه لبسوا السلاح وركبوا للحرب وأبوا النزول، فسألهم خالد: أمسلمون أنتم؟ فقيل إن بعضهم أجابه بنعم، وبعضهم أجابه: صبأنا صبأنا! أي تركنا عبادة الأصنام، ثم سألهم: فما بال السلاح عليكم؟
قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح!
فناداهم: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فصاح بهم رجل منهم يقال له جحدم، ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا. فما زالوا به حتى نزع سلاحه فيمن نزع وتفرق الآخرون.
فأمر خالد بهم فكتفوا وعرضهم على السيف، فأطاعه في قتلهم بنو سليم ومن معه من الأعراب، وأنكر عليه الأنصار والمهاجرون أن يقتل أحدا غير مأمور من النبي عليه السلام بالقتال، ثم انتهى الخبر إلى النبي فرفع يديه إلى السماء وقال ثلاثا:
اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد وبعث بعلي بن أبي طالب إلى بني جذيمة فودى دماءهم وما أصيب من أموالهم وقد عم النكير على الحادث بين أجلاء الصحابة، من حضر منهم السرية ومن لم يحضرها، واشتد عبد الرحمن بن عوف حتى رمى خالدا بقتل القوم عمدا ليدرك ثار عميه انتهى كلام العقاد.
* نعم هذا ما ذكره العقاد الحرف في كتابه عبقرية خالد والعقاد