والإمام ليس مخيرا في الانحياز لأي من الطرفين. وإنما هو مقيد بالحق ويدور معه حيث دار. والحق واضح وضوح الشمس والباطل كذلك.
ولعل موقف الإمام هذا هو الذي استثمره معاوية فيما بعد في تزكية نار الصراع بينه وبين الإمام من أجل تحقيق مآربه في التسلط على المسلمين. وقد كان بإمكانه نصرة عثمان وإنقاذه لكنه رأى أن التضحية به أنفع له في صراعه مع الإمام (18).
عثمان وبني أمية قال أبو سفيان حين تولى عثمان مخاطبا بني أمية: يا بني أمية. تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (19).
ويحاول الكثير من المؤرخين إنكار نسبة هذا الكلام لأبي سفيان وإنكار عثمان له إلا أن سياسة عثمان ومواقفه تكشفان صحة هذا القول وصدق نبوءة أبو سفيان.
يقول المودودي: غير أن عثمان حين خلفه - أي عمر - أخذ يحيد عن هذه السياسة رويدا رويدا فطفق يعهد إلى أقاربه بالمناصب الكبرى ويخصهم بامتيازات أخرى اعترض الناس عليها عامة.. ولم يكن رد فعل هذه الأمور سيئا على العامة وحدهم بل على أكابر الصحابة أيضا. مثال ذلك حينما أخذ الوليد بن عقبة مرسوم حكومة الكوفة وجاء إلى سعد بن أبي وقاص قال له سعد: والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك. فأجابه. لا تجزعن أبا إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون. فقال سعد: أراكم والله ستجعلونها ملكا (20).
إن أفراد العائلة الأموية الذين تغلغلوا في الحكم بمعونة عثمان ودعمه لم تكن تتوافر بهم المؤهلات الشرعية والسياسية فضلا عن أن مكانتهم الشرعية كانت حرجه فقد ذمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث صريحة وحذر منهم لكن عثمان ضرب