السيف والسياسة - صالح الورداني - الصفحة ١٠١
فإنه لو فرض أنه كتب الكتاب وهو لم يكتبه في نفس الأمر لا يضره ذلك لأنه قد يكون رأى في ذلك مصلحة للأمة في إزالة شوكة هؤلاء البغاة الخارجين على الإمام. وأما إذا لم يكن قد علم فأي عجز ينسب إليه إذا لم يكن قد أطلع عليه وزور على لسانه وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه. وإنما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة ظلمة مفترون (26).
لقد تمادى ابن كثير في تبريره لانحرافات عثمان إلى الحد الذي دفعه إلى تغليف هذه الانحرافات بالنصوص النبوية التي تضفي المشروعية عليها. فهو قد اعتبر أن الحاكم من حقه أن يفعل ما يشاء بالأمة تحت شعار المصلحة وعلى الأمة أن تلتزم بالسمع والطاعة لأن الرسول أمر بذلك. ومعنى ذلك أن عثمان بعد ما وافق الثوار على مطالبهم ثم عاد وانقلب عليهم وأرسل كتابه المذكور الذي يأمر فيه ولاة الأمصار التي سوف يصلون إليها بقتلهم - معنى ذلك أن هذا الغدر مبرر في عرف ابن كثير.
ثم تأمل الألفاظ العصبية التي تنم عن عدم معالجته الحدث برؤية حيادية منصفة والتي وصف بها الثوار فهو قد نصب نفسه قاضيا وجلادا في آن واحد (27).
ونفس هذا النهج في تفسير أحداث التاريخ المتعلقة بالخط القبلي وخط بني أمية التزم به ابن تيمية والذهبي والنووي وابن خلدون وابن حزم وغيرهم (28).
ومثلما دافع هؤلاء عن عثمان دافعوا أيضا عن معاوية ومروان وسائر بني أمية وزكوهم وأضفوا المشروعية على مواقفهم وممارساتهم في الوقت الذي وقفوا فيه من الإمام علي موقفا مشبوها ومعاديا في أحيان كثيرة (29).
ولقد كان مصرع عثمان هو بداية الصراع العسكري بين الخط الأموي وخط آل البيت. ذلك الصراع الذي انتهى بسيادة الخط الأموي.

(26) ابن كثير ج‍ 7 / 180.
(27) ابن كثير من فقهاء الشام وهو يسير على نهجهم وخاصة نهج أستاذه ابن تيمية..
(28) أنظر تاريخ الإسلام للذهبي وفتاوى ابن تيمية وشرح مسلم للنووي وتاريخ ابن خلدون والفصل في الملل والنحل لابن حزم.
(29) أنظر المراجع السابقة. وانظر العواصم من القواصم. وقد شكك ابن تيمية في كثير من الروايات الواردة في حق الإمام علي. أنظر منهاج السنة وكذلك الفتاوى. وقد نقل ابن حزم في كتابه المحلى ج‍ 10 / 484 إجماع الأمة على أن ابن ملجم لم يقتل الإمام علي إلا متأولا.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 105 106 107 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة