ولم يكتفي عثمان بهذا بل أصدر قرارا بمنع ابن مسعود من الخروج من المدينة فبقي فيها حتى مرض مرضه الذي توفي فيه (11).
عثمان وعلي كان تعايش الإمام علي مع أبي بكر وعمر تعايش المحافظ والمدافع. فقد كانت الضغوط الموجهة إليه تتركز على دوره كممثل شرعي للأمة وكقائد لتيار آل البيت الذي يضم الكثير من كبار الصحابة. وقد تنازل الإمام عن هذا الدور حفاظا على وحدة الأمة. لكنه لم يتنازل عن المبدأ الذي ورثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
أي أن الإمام تنازل عن السلطة ولم يتنازل عن الفكرة.
تنازل عن الحكم ولم يتنازل عن الدعوة. فهو قد أفسح الطريق للخط القبلي ليحكم لكنه لم يفسح له الطريق ليعبث بالإسلام.
ويبدو أن الخليفتين أبو بكر وعمر لم يكونا من المتحرشين بهذا الجانب. جانب الإسلام فقد احترم كل منهما قدرات الإمام العلمية وأقرا بتفوقه عليهما.
وهذا لا يعني أن صورة الإسلام كانت سوية ومستقيمة بشكل كامل في عهد الخليفتين وإنما كان هناك انحراف. لكنه لم يكن كبيرا بالقدر الذي يستفز الإمام ويدفعه إلى الصدام به. وما كان يقلق الإمام هو ما سوف يترتب على هذا الانحراف في المستقبل.
وعندما جاء عثمان برز الانحراف بصورة تجاوزت الحدود التي وقف عندها الشيخان وتعدى حدود الحكم ليصل إلى الإسلام.
وهنا تغير موقف الإمام وشيعته وانتقل بهم من المقاومة السلبية إلى المقاومة الإيجابية. وتصدى لعثمان وبني أمية الذين رفعوا رايتهم لأول مرة بعد سقوطهم على أيدي الرسول حين فتح مكة.
لقد كان ظهور بني أمية في عهد عثمان بداية لتحول الأمة إلى طريق الجاهلية وبداية لظهور إسلام آخر مناقض لإسلام آل البيت ومعاد له ومعلنا هذا العداء.