السيف والسياسة - صالح الورداني - الصفحة ٩٤
لم يكن الأمر إذا مجرد تغلغل عائلة في الحكم وإنما كان في حقيقته محاولة لإظهار إسلام جديد بديل عن إسلام الخلفاء السائد الذي كان فاقد الأساس لكنه ليس منحرفا بالقدر الذي يتيح لهم تحقيق مآربهم والعودة إلى جاهليتهم..
لقد انتهز بني أمية فرصة وصول عثمان للحكم وأحاطوا به موحدين صفوفهم للثأر والانقضاض على بني هاشم ممثلين في آل البيت تحت زعامة الإمام علي.
وفي مواجهة وضع كهذا لا بد على الإمام علي أن يعلن المواجهة والتصدي لا أن يلتزم بالمهادنة والتعايش السلبي كما كان حالة مع أبي بكر وعمر.
ومما تقدم تتضح لنا طبيعة العلاقة بين الإمام وعثمان وطبيعة الموقف الذي تبناه في مواجهة سياساته وممارساته.
فقد كان موقفه من أبي بكر وعمر موقف الموجه الشرعي أمام تجاوزاتهم للنصوص أما موقفه من عثمان فهو موقف شرعي سياسي تجاوز الحدود النظرية إلى الحدود العملية.
يقول الإمام في عثمان:.. إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع. إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته (12).
والإمام هنا يهاجم عثمان ويتهمه بالغرور والتكبر والتواطئ مع بني أمية وتبديد مال المسلمين على قومه الذين فتحت أمامهم الأبواب على مصراعيها ليحثو من هذا المال مشبها إياهم بالإبل التي ترعى في النبات وقت الربيع وتأكله بشراهة وملء الفم.
وليس بعد هذا التشبيه الدقيق من تشبيه يصور حال عثمان مع بني أمية.
وحالهم مع أموال المسلمين.
ولم يكن هذا حال سابقيه. فقد كان على الرغم من موقفهما من النصوص ومن آل البيت يلتزمان بسياسة التقشف على أنفسهما ويحرصان على صيانة المال العام ولم تكن لهما ميول للتحصن والاحتماء بقومهما كما فعل عثمان.

(12) نهج البلاغة ج‍ 1 / خطبة رقم 3.
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة