ولقد نتجت أطروحات هذا الفكر بمعزل عن المشاركة في الحكم فمن ثم فقد تأصلت فيه فكرة الفصل بين الدين والدولة وأصبحت من ملامحه. فقد قبض الحكام على السلطة السياسية بينما تركوا الدين لطبقة الفقهاء الذين يدينون لهم بالطاعة والولاء والذين بنوا اجتهاداتهم وتفسيراتهم للنصوص على أساس هذا الوضع..
من هنا وأمام ممارسات الحكام وانحرافاتهم ظهرت اتجاهات تقول بكفر مرتكب الكبيرة والمصر على المعصية وتقول بوجوب الخروج على الحاكم الفاسق والظالم.
وقد تصدى الفقهاء لهذه التيارات وقالوا بعدم كفر مرتكب الكبيرة والمصر على المعصية وعدم جواز الخروج على الحاكم بأي صورة ولأي سبب وتحولت هذه الأقوال بعد ذلك إلى عقائد ومفاهيم ثابتة في الفكر الإسلامي وما هي في الحقيقة إلا فتاوى اخترعت للدفاع عن الحكام وتبرير سلوكياتهم المنحرفة... (30) واعتبر الفقهاء كل من يخرج عن هذه العقائد والمفاهيم ويخالفها من أهل البدع والزندقة الذين يجب مقاومتهم والقضاء عليهم فمن ثم أعطوا الضوء الأخضر للحاكم كي يقضي عليهم ويستأصلهم.. (31) ولقد أضفى فقهاء القوم المشروعية والقداسة على القرون الثلاثة الأولى التي نشأ وقنن فيها الفكر الإسلامي اعتمادا على رواية تقول: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. (32) وعلى هذا فإن كل الجرائم والانتهاكات والبطش والتنكيل والانحرافات التي وقعت طوال القرون الثلاثة الأولى أضيفت عليها المشروعية وأمكن تبريرها على ضوء هذه الرواية وبالتالي تم اعتبار عصر الخلفاء وبنو أمية وبنو العباس العصر الذهبي المبارك..