وعلى هذا الكلام إجماع القوم لم يخالف منهم أحد. إلا أن هناك عدة ملاحظات تفرض نفسها على هذا الطرح:
أن موقفهم هذا موقف عائم لا تحكمه ضوابط..
أن هذا الموقف يحمل تهديدا ووعيدا لمن يخالفه..
أن الصحابة وقعوا في بعضهم وسب بعضهم بعضا..
أن هذا الموقف يتناقض مع صريح نصوص القرآن..
وينبغي لنا هنا أن نعرض مفهوم الصحبة في فقه القوم حتى يكون الأمر أكثر وضوحا..
يقول ابن حجر: أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) مؤمنا به ومات على الإسلام. فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى (5)..
ويقول ابن حجر: أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم صحابة (6)..
وقال ابن حنبل والبخاري والواقدي وغيرهم نفس كلام ابن حجر فهذا التعريف للصحابي محل اتفاق القوم والمخالف له شاذ ومبتدع (7)..
ويقول ابن حجر: اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ونقل قول بعضهم: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم. فمن ذلك قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله (السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) وقوله (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة (8)..
ومن الواضح أن هذا التعريف لمفهوم الصحبة من شأنه أن يدخل كل من هب ودب من الناس في زمرة الصحابة وبالتالي ينال هذه المرتبة الشريفة ويرتفع مقامه في نظر الأمة ويجوز على ثقتها فلا تجد حرجا من التلقي منه..