وهذه إشارة قوية على وضع هذا الحديث وكونه من اختراع السياسة (17)..
يروي مسلم أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم. فأتى النبي فأخبره. فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك (18)..
وهذه رواية أخرى تؤكد التصور السابق وهو أن أبا سفيان لم يكن بصاحب مكانة حميدة بين صحابة رسول الله ولم يكن موضع احترام أحد إلا أذناب قريش من أهل القبلية والمنافقين والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا دافع أبو بكر عن أبي سفيان؟.
هل كان يجهل وضع هذا الرجل وتاريخه؟.
وهل كان أبو سفيان ما يزال شيخ قريش وسيدها؟.
إن رد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على أبي بكر لهو أكبر دلالة على أن موقف هؤلاء الصحابة من أبي سفيان هو الموقف الشرعي وأن أبا بكر تجاوز هذا الموقف وانحرف عنه.. وجعل البخاري لمعاوية بابا أسماه باب ذكر معاوية ليس فيه شئ يحسب لمعاوية. فهو لا يحوي سوى رواية على لسان ابن عباس تشهد له بالصحبة تارة وبالفقه تارة أخرى (19)..
يقول ابن حجر معلقا على الباب بقوله: عبر البخاري بقوله ذكر ولم يقل فضيلة ولا منقبة لكون الفضيلة لا تؤخذ من حديث الباب لأن ظاهر شهادة ابن عباس له بالصحبة والفقه دالة على الفضل الكثير. ونقل عن إسحاق بن راهويه قوله: لم يصح في معاوية شئ. وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما (20)..
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟
فأطرق ثم قال: اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا.