بحديث له طريقان لو انفرد كل منهما لم يكن حجة، كما في المرسل إذا ورد من وجه آخر مسندا لوافقه مرسل آخر بشرطه كما سيجئ. قال ابن الصلاح وقال في الاقتراح: ما قيل من أن الحسن يحتج به، فيه إشكال، لأن ثم أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت، فإن كان هذا المسمى بالحسن مما وجد فيه أقل الدرجات التي يجب معها القبول، فهو صحيح، وإن لم يوجد لم يجز الاحتجاج به وإن سمي حسنا. اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي، بأن يقال: إن هذه الصفات لها مراتب ودرجات، فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحا، وأدناها يسمى حسنا، وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة " (1).
وقال السيوطي بعد ذكر الحديث الصحيح: " فإن خف الضبط - أي قل - مع وجود بقية الشروط، فحسن، وهو يشارك الصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه وتفاوته، فأعلاه ما قيل بصحته، كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر... " (2).
وفي هذه الكلمات غنى وكفاية.
الخامس: إن الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ارتقى إلى درجة الاحتجاج به، كما بيناه في مجلد (حديث الولاية). فراجع. فلا وجه لنفي جواز الاحتجاج به في هذه الحالة.
ثم لا يخفى أن الكابلي و (الدهلوي) - اللذين اخترعا هذه القاعدة - قد غفلا أو تغافلا عن قاعدتهما هذه في موارد كثيرة، فاحتجا بأخبار غير مروية فيما التزم فيه بالصحة من الكتب، وبأخبار لم يصرح أحد من أئمة الحديث