وقد علمت أن معاوية ويزيد ومن كان بعدهما من بني مروان أيام ملكهم - وذلك نحو ثمانين سنة - لم يدعوا جهدا في حمل الناس على شتمه ولعنه وإخفاء فضائله وستر مناقبه وسوابقه...
وقد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا أو دينا لهوى، فيحملون الناس على ذلك، حتى لا يعرفون غيره، كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب، وتوعد على ذلك، بدون ما صنع هو وجبابرة بني أمية وطغاة بني مروان بولد علي وشيعته، وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة، فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها، لإمساك الآباء عنها وكف المعلمين عن تعليمها، حتى لو قرئت عليهم قراءة عبد الله وأبي ما عرفوها ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان، لألف العادة وطول الجهالة، لأنه إذا استولت على الرعية الغلبة وطالت عليهم أيام التسلط، وشاعت فيهم المخافة، وشملتهم التقية، اتفقوا على التخاذل والتناكب، وفلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم وتنقص من ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها.
ولقد كان الحجاج - ومن ولاه كعبد الملك الوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية - على إخفاء محاسن علي وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم، أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله وأبي، لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي - عليه السلام - وولده وإظهار محاسنهم بوارهم وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها.
وأبي الله أن يزيد أمره وأمر ولد إلا استنارة وإشراقا، وحبهم إلا شغفا وشدة، وذكرهم إلا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا