أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب، وزاد فيها على كل أديب، من التوسع في العبارة بعلوها ما لم يعهد من غيره، حتى أنسى سحبان وفاق فيه الاقران، وأعجز الفصحاء اللد وجاوز الوصف والحد، وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، يمر فيها كالبرق الخاطف ويصوت كالرعد القاصف، لا يلحقه المبرزون ولا يدرك شأوه المتشدقون المتفيهقون، وما يوجد من كثير من العبارات البالغة كنه الفصاحة، غيض من غيض ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.
تفقه في صباه على والده ركن الاسلام... ثم خلفه من بعد وفاته وأتى على جميع مصنفاته فقلبها ظهرا لبطن وتصرف فيها، خرج المسائل بعضها على بعض، ودرس سنين، ولم يرض في شبابه تقليد والده وأصحابه، حتى أخذ في التحقيق وجد واجتهد في المذهب والخلاف ومجالس النظر حتى ظهرت نجابته، ولاح على أيامه همة أبيه وفراسته، وسلك طرق المباحثة وجمع الطرق بالمطالعة والمناظرة، حتى أربى على المتقدمين وأنسى مصنفات الأولين، وسعى في دين الله سعيا يبقى أثره إلى يوم الدين... " إلى آخر الترجمة الحافلة (1).